أما الإيمان فيأتي في اللغة مطلقاً بمعنى التصديق، قال الله تعالى حاكياً عن إخوة يوسف:{وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}[يوسف:١٦ - ١٧] يعني: ما أنت بمصدق لنا ولو كنا صادقين.
وله في اللغة معانٍ كثيرة، وأهل البدع يتمسكون بهذا التعريف فقط كما سنبين.
والإيمان يتعدى بنفسه، ويتعدى باللام، ويتعدى بالباء، فإذا تعدى بنفسه فمعناه: التأمين، أي: من الأمان، تقول: أمنته، ضد خوفته، قال الله تعالى:{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}[قريش:٣ - ٤]، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما توعد).
والإيمان أيضاً مشتق من اسم الله جل وعلا (المؤمن)، والمؤمن اسم من أسماء الله جل وعلا، يتضمن صفة كمال وهي صفة الأمن، بمعنى: أن الله جل وعلا اسمه (المؤمن)؛ لأنه يؤمن عباده من الخوف والفزع يوم القيامة، كما قال تعالى:{وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ}[النمل:٨٩]، فهذا هو مقتضى اسم الله المؤمن.
ويتعدى الإيمان كذلك بالباء، فتقول: آمنت بالله أو آمنت برسول الله، قال الله تعالى:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ}[البقرة:١٣٦] إلى آخر الآيات.
ولما جاء الرجل يستنصح النبي صلى الله عليه وسلم قال:(قل: آمنت بالله ثم استقم)، فتعدى الإيمان بالباء، وصار معناه: التصديق، قال تعالى:((قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ)) أي: صدقنا بالله، بمعنى: صدقنا بوجود الله جل وعلا، وأنه مستو على عرشه، وآمنا بربوبية الله، وأنه خالق رازق مدبر آمر ناهٍ، وصدقنا بأن لله أسماء حسنى وصفات عُلى، وأنه لا إله إلا الله ولا معبود بحق إلا هو سبحانه، ومعنى آمنت برسول الله: أي: صدقت بأنه مرسل من قبل الله جل وعلا، وصدقت برسالته التي أوحيت إليه.
ويتعدى باللام الإيمان -وهذا النوع مهم جداً- قال الله تعالى:{فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ}[العنكبوت:٢٦]، فجاء بمعنى الاتباع، فلو تعدى الإيمان باللام كان معناه الاتباع والانقياد، قال الله تعالى:{فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} فلم يتبع أحد إبراهيم عليه السلام في دعوته إلا لوط عليه السلام، {وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي}[العنكبوت:٢٦]، فتقول: آمنت لله أي: أذعنت وخضعت وانقدت لأحكام الله ولأوامره، ولا يمكن أن أعترض على أمر من أوامره سبحانه، وآمنت لرسول الله أي: اتبعت الرسول فلا أتعبد عبادة إلا وأنا متبع فيها الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأجمل الشافعي معنى الإيمان بمعانيه الثلاثة في كلمة واحدة، فقال: آمنت بالله، وبما جاء عن الله، وعلى مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، وعلى مراد رسول الله.
أما تعريف الإيمان شرعاً: فهو التصديق المقرون بالانقياد والإذعان، فالتصديق المقرون بالانقياد والإذعان، فيه دلالة على أن من وقر في قلبه إيمان فلا بد أن يتضح على ظاهره.