يلي عثمان رضي الله عنه في الفضل والمكانة علي بن أبي طالب، وفضائله غير خفية على من له أدنى اطلاع، وقد نوزع علي في الخلافة مما يجعل البعض يسأل عن خلافته هل كانت صحيحة؟ وهل خلافته ملك عضوض أم خلافة على منهاج النبوة؟ فالصحيح أنها خلافة صحيحة لحديث:(الخلافة بعدي ثلاثون عاماً)، ومعلوم أن خلافة علي كانت في الثلاثين التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك كانت خلافة معاوية التي قال النبي صلى الله عليه وسلم عنها:(ثم يؤتي الله ملكه من يشاء)، فخرجت من الخلافة وأصبحت ملكاً وتحقق كلام النبي صلى الله عليه وسلم فقد أصبحت تتوارث.
وقد كان الحق مع علي في الخلاف الذي دار بينه وبين معاوية وكان علي هو أفضل على الإطلاق، وكان هو المستحق للخلافة، ولذلك لما حدثت المشاحنة بين الزبير وطلحة وبين علي وبين عائشة رضي الله عنهم أجمعين، ولم يكن سببها الخلاف بينهم كما يصور البعض، وإنما كان الموتورون داخل الصف هم الذين يحرشون بينهم ويشحنون القلوب بدعوى أنه كان لا بد قبل أن يبايع علي أن يقتص لهذا المظلوم المقتول عثمان، وهذا الكلام غير صحيح، والمهم أن نعلم أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها خرجت وخرج الزبير وخرج طلحة لقتال علي، والله جل وعلا يظهر الحق حتى لو خفي على كل البشر، فـ ابن عمر أفضل الصحابة وأتقنهم علماً خفي عليه أن الحق مع علي؛ ولذلك بكى بكاءً شديداً عند موته وقال: يا ليتني قاتلت مع علي والله إن الحق مع علي، ومما دار بينهم أن علياً جاء إلى الزبير وقال له: أما تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بي وبك فقال: (تحبه؟ قال: ومالي لا أحبه؟! فقال له: تقاتله وأنت ظالم له)، وقد تحقق هذا، وفيه علامة من علامات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، فانتبه الزبير قال: والله كأني لم أسمع الحديث إلا اليوم، فاستدار بفرسه فنزل فقتلوه، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وأرضاه لما علم ذلك أيضاً قتل، ثم تلت ذلك المعركة الشديدة التي كان فيها الدماء بسبب عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فقد كان من حولها يحرسون الجمل ولذلك سميت معركة الجمل، وقد قتل خلق كثير حول الجمل إلى أن أمر علي بضرب ساقي الجمل فانتهت المعركة، وبعد ما انتهى القتال ذهب علي فقال: يا أمه -وهذا من فقهه فهي أم المؤمنين- تريدين شيئاً؟ قالت: لا، فقال للجيش: صفوا لأمكم ثم ارجعوا بها إلى المدينة، فرجعوا بها إلى المدينة معززة مكرمة.
وبعد ذلك حدث نزاع في صفوف علي حتى قال قائلهم: كيف تقول: إننا نقاتلهم ولا نسبي نساءهم؟ فأجابهم: من أراد أن يضرب بسهم لنفسه فليأخذ أم المؤمنين غنيمة عنده! فسكت القوم، وعلموا أن القتال قتال بغي وليس قتال كفر، ولا يصح السبي ولا الغنائم.
وبعد أن رجعت عائشة إلى المدينة سمعت بقتال الخوارج وأن علياً قتل ذا الثدية فقالت: والله إن الحق مع علي، وما كان بيني وبينه إلا ما بين الأحناء بعضهم لبعض، وكان في صدرها شيء من علي، وهو أنه لما استشاره النبي صلى الله عليه وسلم في حادثة الإفك قال علي: النساء غيرها كثير، وكان علي محق ولم يقصد الطعن في عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وإنما أراد أن أعباء النبوة أقوى من أن تفكر في هذا الأمر؛ لأن الأمة بل الدنيا بأسرها تنتظر شمس النبوة، فكان محقاً فيما نظر فيه اجتهاداً، ولا يمكن أن يتصور في علي أن يطعن في الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وأرضاها.
وأما بالنسبة لـ معاوية فالحق كل الحق مع علي بنص كلام النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال:(عمار تقتله الفئة الباغية)، وقتلته فئة معاوية وقال:(عمار أينما كان فالحق معه)، لكن معاوية رد على هذا وقال: إن قلتم: الفئة الباغية التي تقتل عمار فقد قتله من خرج به، وذلك أنه دخل وعند معاوية عمرو بن العاص فقال الرجل: أبشر يا أمير المؤمنين! يريد معاوية فقال: مه؟ قال: أبشر فقد قتلت عماراً، فقام عبد الله بن عمرو بن العاص متهللاً: وقال: أبشر بنار جهنم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(بشر قاتل عمار بالنار)، فلما سمع الناس ذلك انسل الجيش من معاوية وذهب إلى علي فقال معاوية لـ عمرو بن العاص: نح عنا مجنونك هذا، وذلك لكي لا يدب الأمر في الجيش، فقال معاوية رضي الله عنه وأرضاه حينها: إذاً قتله من خرج به! والرد على هذا أنه إذا كان كذلك فمعناه أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قتل حمزة؛ لأنه هو الذي أخرجه للقتال! وليس كذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم بكى عليه وقال:(هو أسد الله).