[إبطال عقيدة أهل الجبر]
أما أهل البدعة من الجبرية فقد قالوا بالجبر، وقالوا: العبد فاعل مجازاً لا حقيقة، وكل هذه الآيات والأحاديث لا تدل على أن العبد فعل الفعل، بل مجبور، وإبليس لم يسجد طاعة لله، ولم يجبره الله على ذلك، وجبريل سجد طاعة لله؛ لأن الله أجبره على ذلك، فإبليس وجبريل سواء عند هؤلاء البله السفهاء.
ثم قالوا: العبد ليس بفاعل حقيقة، وعندنا على ذلك أدلة كثيرة: أولاً: قال الله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:١٧]، فقد نفى الله الرمي عن العبد ونسبه له.
ثم استدلوا بحديث (لن يدخل الجنة أحدكم بعمله) على أنه لا اعتبار لفعل العبد؛ لأنه مجبور على فعله.
فعندما يشرب أحدهم الخمر، إذا قيل له: اتقي الله، فقد لعن الرسول في الخمر عشرة فيقول: هذا ما قدره الله عليّ، وقد ذكر أن رجلاً قدرياً دخل على امرأته فوجد عليها رجلاً آخر فقال: هكذا تفعلين؟ فقالت: اسكت! قدر الله عليَّ هذا، فقال: نعم قدر الله عليك هذا! فتركها تفعل ما تشاء، وهذا فعل لا يقبله مجنون.
ولما جاء سارق إلى عمر بن الخطاب قال: مهلاً يا أمير المؤمنين! والله! ما سرقت إلا بقدر الله.
فقال: وأنا أقطع يدك بقدر الله.
وهكذا فهم يحتجون بالقدر، والرد عليهم يكون كالتالي: أولاً: أن الله أثبت أن العبد قادر، وله مشيئة وإرادة واختيار، وذلك في الكتاب والسنة والنظر، وقد سبق ذكر ذلك تحت عنوان الأدلة على إثبات مشيئة العبد.
أما آية: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:١٧]، فقد نفى الله فيها الرمي ((وَمَا رَمَيْتَ))، ثم أثبته مرة ثانية فقال: ((إِذْ رَمَيْتَ))، يعني: أنت رميت ((وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى))، فالله تعالى أثبت له الرمي ولكن هناك شيء بعد الرمي ومتعلق به، وهو الإصابة والتسديد والتوفيق، فمهما ترمي يجوز أن تقع في عينه لكن لا تفقأ عينه إلا أن يقدر الله.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أخذ التراب ورماه، وقال: (شاهت الوجوه) وليس يمكن أن تصل إلى الوجوه، فهذه حفنة من التراب رماها في وجوه هؤلاء الكفرة ولا يمكن أن تصل إليهم بهذه الدفعة البسيطة، ولكنها بتوفيق من الله أصابتهم، {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}.
يصدق ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم (بك أصول، وبك أجول، وبك أقاتل)، أي: أنت الذي تسبب وتوفق.
فدليلهم باطل، ولازم دليلهم أيضاً باطل، ولو قلنا بقولكم وهو نفي الفعل حقيقة فسوف نقول: وما زنيت إذ زنيت.
ولكن حاشا لله، وما تركت إذ تركت.
ولكن حاشا لله، وما ضربت إذ ضربت.
ولكن حاشا لله، وسوف تتهموا الله جل وعلا وترموه بالعظائم حاشا لله، فلا بد أن نقول: إن المنفي هنا هو التسديد والتوفيق.
وأما استدلالهم بحديث (لن يدخل الجنة أحد بعمله)، على أن العمل ليس له أي اعتبار عند الله، فدل هذا على أن هذا الفاعل فاعل مجازاً لا حقيقة؛ لأن العمل ليس عليه ثواب ولا عقاب، فيدخل الله من يشاء الجنة، ومن يشاء النار.
فالجواب عليه بأن المنفي هنا هو أن يكون العمل ثمناً لدخول الجنة، فالعمل إنما هو سبب في وصول الرحمة إلى العبد، والعمل إنما هو من أجل التفاوت في الدرجات في الجنة، فهذا شهيد وهذا عالم، ولكل واحد منهم درجة معينة.
ولذلك قال: ((أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ))، أي: بسبب أنكم فعلتم الخير وصلت إليكم الرحمة، ودخلتم الجنة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.