[وجوب لزوم الكتاب والسنة]
في هذا المقام تقعيد وتأصيل مهم لأهل العلم وهو أن نقول: شيخ الإسلام حبيب إلينا، والحق أحب إلينا منه، فلو أفتى أحد من المشاهير اللوامع، الذين تضرب لهم الطبول، ويعرفهم القاصي والداني، والذين بلغوا في العلم مداه، بفتوى خالفت الكتاب والسنة، لرد هذا القول على من قال به كائناً من كان، وقد قال ذلك أجل الناس، وأشرف الناس، وأعلى الناس، وأعلم الأمة الشافعي حيث قال: إن خالف قولي قول رسول الله فاضربوا بقولي عرض الحائط وخذوا بقول رسول الله، ودخل عليه امرؤ يسأله: يا شافعي ! ما تقول في مسألة كذا؟ وكان بجانبه المزني والبويطي وتلاميذ الشافعي، فأجابه رجل فقال: هذه المسألة قال فيها رسول الله، وأنهى المسألة.
والواجب علينا إذا قيل في مسألة: قال رسول الله أن نقول: سمعنا وأطعنا.
وبعض السائلين يكون جاهلاً لا يفقه شيئاً، فعندما تقول له: قال رسول الله، يقول لك: الشيخ الفلاني أفتى بحلها، وتقول: قال رسول الله، وقال الله، وهو يقول: الشيخ الفلاني وجدته يفعلها، أو السلف كانوا يفعلونها، ولقد قال بعض الصحابة: أوشكت السماء أن تمطر عليكم حجارة، أقول: قال رسول الله وتقولون: قال فلان، وقال فلان! فلذلك لما قيل للشافعي: أتقول بهذه المسألة؟ أو أتقول بهذا القول؟ قال: أرأيتني خرجت من كنيسة؟! وهذه دلالة على كفر أهل الكنائس على كفر أهل الصليب وعباد الصليب، فلا يجوز لامرئ مسلم قط أن يهنئهم بهذا العيد، قال بعض علمائنا: من أهداهم بيضة في عيدهم فقد كفر، تقعيداً وتخريجاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (فإذا وجدتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) وقال: (لا تبدءوا أهل الكتاب بالسلام)، فكيف بتهنئة العيد والرضا بكفرهم، والقاعدة المشهورة: الرضا بالكفر كفر.
والضابط في هذه القاعدة أن نقول: إذا كان الكفر الذي كفر به المرء كفراً متفقاً عليه، لا خلاف فيه ولا نزاع، وهو كفر لنا فيه من الله برهان، فمن رضي به فقد كفر.
والدليل على هذه القاعدة قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ} [محمد:٢٨] وفي الآية الأخرى يقول تعالى: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ} [محمد:٧ - ٩]، وقوله تعالى: {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء:١٤٠].
وهنا أقول: العالم الذي يعلم عقيدتهم، ويعلم كفرهم البين، ثم يجلس في مجلسهم الكفري، ويرضى بكفرهم، بل يذهب ويهنئهم ويقبلهم ويحتضنهم، فهذا رجل لا نقول فيه إلا: حسبنا الله ونعم الوكيل.
ونقول له: قد بين الله لك بالاتفاق أن هؤلاء كفار فبين لهم كفرهم، أما الذين لا يعرفون إذا استفتوا أقول لهم: اتقوا الله في أنفسكم ولا تهنئونهم بالعيد؛ لأنكم بتهنئتكم لهم في هذا العيد تقرونهم على كفرهم، وأنتم مأمورون شرعاً أن تبينوا لهم كفرهم، حتى يعلموا يقيناً أنهم على باطل، وأنهم إن لم يرجعوا إلى دين الله فهم على كفر وضلال.
ولقد اتصل بي أخ وقال لي بالتصريح: السلام عليكم، أنا كل مدرائي نصارى، وكل عيد يهنئونني ويأتوني بالهدايا، ويجاملونني، فماذا أفعل؟ قلت له: لا تهنئهم، بل ادعهم إلى الإسلام، فهذا هو الفعل الصحيح، قال: أريد أن أسلم عليهم فقط، وأجاملهم بعيدهم كما يفعلون، قلت له: لا تفعل، قال: إن أخذت بقولك فسأفقد وظيفتي، قلت له: أيهما أفضل، أن تفقد وظيفتك أم تفقد دينك؟ فهذا الرجل لا يعتمد على ربه في الرزق، بل يحسب أنه إن لم يسلم عليهم في عيدهم، ويهنئهم بكفرهم، فسيضيع عمله؛ لظنه أن الرزق بأيديهم، وهذه عقيدة فاسدة، فالعطب في عقيدته الأولى جره إلى عطب في عقيدته الثانية.
فمن سلم عليهم في يوم عيدهم فقد رضي بكفرهم، فهو ينزل هذه المنزلة إن كان من العالمين المتقنين الفاهمين لعقيدتهم الخربة.
والمقصود أنه لما قال الشافعي: أخرجت من كنيسة؟ يبين له أن هؤلاء أهل كفر، فإني إن رددت قول النبي لكنت مثلهم، فانظر: على حديث واحد يرده بعد أن اقتنع به يرى الشافعي أنه يمكن أن يكون مثلهم، قال: أرأيتني قد خرجت من كنيسة؟ أرأيت في وسطي زناراً؟ يعني: يهودياً، يقول: قال رسول الله فماذا أقول أنا؟ أقول: قال رسول الله، وأقول به، ولذلك نقول: المرء إذا جاءه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سمعت وأطعت، ويقدم قول النبي على قول أي أحد كائناً من كان.
فنقول: أولاً: جاءتنا الأدلة التي قعدت لنا وأصلت الخلود للجنة والخلود للنار، منها قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [المائدة:١١٩] أي: على التأبيد، فهذه الآية تثبت عدم فنائها.
ونرد على أدلة شيخ الإسلام من وجهين: الوجه الأول: أن هذه الآثار لم تثبت، وأهل الحديث عللوا هذه الآثار بالانقطاع وبغيره.
فإن تنزلنا مع الخصم وقلنا: ثبت عن ابن مسعود وأبي هريرة أنهما قالا: (ليأتين زمان على النار ليس فيها أحد) فنئوله على أن المقصود ليس فيها أحد من الموحدين.
ونحن نقول: إن نار الموحدين تفنى، لما ثبت في الصحيحين من حديث الشفاعة أن الله تعالى قال لنبيه محمد صلى الله علية وآله وسلم: (اذهب فمن كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان فأخرجه) وبعد ذلك دينار، ثم نصف دينار، ثم مثقال ذرة، ثم حبة من خردل، ثم قال: (أذن لي ربي أن أشفع فيمن قال: لا إله إلا الله، فقال الله تعالى: وعزتي وجلالي لأخرجن من النار من قال: لا إله إلا الله) وهذا بيان بأن من قال: لا إله إلا الله وكان يصلي فهو يخرج من النار ولا يخلد فيها، وتفنى هذه النار، ويكون تأويل شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم على أن التي تفنى هي نار الموحدين، ويلتئم الشمل وتجتمع الأدلة، ولا نزاع بإذن الله.
أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنات، وأن يبعدنا جمعياً عن النيران.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.