[ألقابه وسبب إطلاقها عليه]
لقب بـ الصديق، قيل: لأن النبي صلى الله عليه وسلم لقبه بذلك، ولأن الله سماه بـ الصديق؛ ولأن الصحابة أقروا على ذلك.
أما بالنسبة لتسمية الله له؛ فقد قيل لـ علي بن أبي طالب: أخبرنا عن أبي بكر.
فقال: هو أفضلنا -أو هو سيدنا- خير البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سماه الله بالصديق على لسان جبريل ولسان محمد صلى الله عليه وسلم.
وقيل: سمي أو لقب بـ الصديق؛ لأنه ما سمع عن النبي صلى الله عليه وسلم من شيء إلا وقال: أقال ذلك؟ قالوا: نعم.
قال: صدق.
ولذلك وصفه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (ما تكلمت معه في شيء ولم يرد علي شيء).
أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
ولذلك لما جاء مشركوا العرب وقالوا: اليوم نأخذ من محمد صلى الله عليه وسلم، فذهبوا إلى أبي بكر وقالوا: أما رأيت ما يزعم صاحبك؟ قال: وما يزعم؟ قالوا: يزعم أن الله أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم رجع في ليلة واحدة، وهذا في المعقول مستحيل ولا يمكن أن يصدق، تضرب الإبل شهراً حتى تصل إلى بيت المقدس وترجع، ففي ليلة واحدة يذهب من البيت الحرام إلى بيت المقدس، وظنوا أن أبا بكر يتخلى عن صاحبه؛ لأن العقل لا يمكن أن يقبل هذا الكلام.
فقال أبو بكر: أقال هذا؟ قالوا: نعم، قال: صدق، قالوا: تصدقه في هذا؟ قال: والله! إني لأصدقه في ما هو أبعد من هذا، إني أصدقه في خبر السماء.
غدوة وروحة.
رضي الله عنه وأرضاه.
وأيضاً لقب بـ الصديق لصدقه وأمانته، فقد بلغ القمة في الصديقية، ولذلك بعض العلماء الذين لهم نظر ودقة فقه يقولون: استثنى النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً من الناس، أو سبعة من الأقسام، أو الأصناف على أنهم لا يعذبون في القبر: كالشهيد والمطعون وغيرهما فقالوا: الصديق أيضاً رضي الله عنه وأرضاه ينجو من فتنة القبر؛ لأن الشهيد ينجو من فتنة القبر، فقد امتحن في ساحة الوغى على صدقه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كفى ببوارق السيوف فتنة).
أما الصديق ففي حياته كلها صدق، وما يأتيه خبر من أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم إلا يقول بيقين: صدق، ويصدقه في ذلك.
قالوا: فهو أولى من الشهيد بأن يوقى فتنة القبر.
ولقب أيضاً رضي الله عنه وأرضاه بالعتيق، قيل: لعتاقة وجهه أي: جماله.
وقيل: لأنه كان كثير العتق، فكان يشتري العبيد بماله ويعتقهم في سبيل الله جل وعلا.
وقيل: بل بشره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عتيق من النار كما في سنن الترمذي: أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: (دخل أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الرسول أول ما رأى أبا بكر: أبشر يا أبا بكر! إنك عتيق الله من النار).
فبشره بالعتق من النار فلذلك لقب بالعتيق.
ولقب بالصاحب، وما من أحد لقب بهذا اللقب أو اقترن ذكره مع ذكر رسول الله إلا أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه.
قال الله تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} [التوبة:٤٠] وبالإجماع الصاحب هنا هو أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه.
ولقب أيضاً بالأواه؛ لأنه كان خاشعاً متبذلاً أمام ربه جل وعلا، ما قرأ آية إلا وبكى، ولذلك ورد عن إبراهيم النخعي أنه قال: الأواه هو أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه.