[المعجزات الحسية]
أما المعجزات الحسية التي حبا الله النبي صلى الله عليه وسلم بها فهي كثر منها: أولاً: الإسراء والمعراج: فهذه من المعجزات الحسية التي وهبها الله لهذا النبي حتى يصدق بين قومه، قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء:١]، فهذه المعجزة شوش علينا أهل البدع والضلالة حتى لا نعتقد فيها أن تكون معجزة كبيرة من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، فقال المعتزلة ومن وافقهم من أهل البدع: حادثة الإسراء ليس بالجسد والروح، بل بالروح، فلازم قولهم: أن الإسراء ما كان بالجسد وإنما كان بالروح فقط أي: كانت رؤيا منامية فقط.
ونحن نرد عليهم بعدة أدلة، أولها: لو قلتم مناماً لضيعتم هذه المعجزة ولأبدتموها، ولكنها بالجسد والروح بالأثر والنظر، أما بالأثر فقد قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء:١] فالباء هنا باء خطاب لا باء تبعيض يعني: جزء منه، وهي الروح؛ لأنه قال: (بعبده) وعبد مفرد مضاف فيعم العبد كلية، بجسده وبروحه، فأسرى الله بنبيه صلى الله عليه وسلم بجسده وبروحه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
ثانيها: قال الله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم:١٣ - ١٤] أي: رأى النبي جبريل عليه السلام على صورته مرة أخرى، فإذا رآه على صورته يكون بالروح أو بالجسد والروح وبأم عينه؟ بعينه، إذاً: كان المعراج بالجسد والروح، وكان يصعد إلى الله جل وعلا وينزل إلى موسى، فيكلمه موسى ويراجع ربه على الخمسين صلاة.
فقوم قريش اعترضوا اعتراضاً شديداً جداً، وأرادوا أن يكذبوه أمام أبي بكر فقالوا: انظر إلى صاحبك يزعم أنه أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ونحن نضرب أكباد الإبل شهراً ذهاباً وشهراًَ إياباً حتى نصل إلى بيت المقدس ونرجع إلى مكة، وهو يقطعها في ليلة واحدة؟! فاعترضوا على الجسد والروح لا المنام، فهذه معجزة أيضاً حباها الله هذا النبي صلى الله عليه وسلم، وهي معجزة الإسراء.
كذلك من المعجزات الحسية: نبع الماء من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا في صلح الحديبية قد قل الماء عندهم، سواء أكان للشراب أم للوضوء، فجاء جابر بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه بركوة فيها ماء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والقوم عطشى ويريدون الصلاة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر جابراً أن ينادي على صحابته فجاءوا تباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وضع يده الشريفة على الماء فنبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوضأ القوم وشربوا، فسئل جابر: كم عددكم؟ فقال: لو كنا عشرة آلاف لشربنا وتوضأنا، من كثرة الماء الذي نبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كذلك من المعجزات الحسية التي حبا الله بها هذا النبي وميزه عن باقي الأنبياء: بركة الطعام في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي يوم الحديبية كان الرسول صلى الله عليه وسلم يربط حجرين على بطنه وكل صحابي من الصحابة يربط حجراً واحداً على بطنه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة الجوع يربط حجرين على بطنه، وأبو طلحة سمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم خافتاً فعلم أن هذا من شدة الجوع؛ فذهب فزعاً إلى أم سليم فأعد طعاماً، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: تعال أنت والنفر الذين معك، وكانوا خمسة أو ثلاثة، فهو قال: خمسة يكفي بما عندنا من طعام، فصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم في القوم: أن هلموا كل من كان موجوداً تعالوا، فكاد قلب أبي طلحة أن يطير، يقول: ما عندنا طعام من أين سيأكلون؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم بعدما أخذ صحابته إلى أم سليم قال: ائتني بالطعام، فأخذ الطعام ثم تفل فيه، وفي رواية أخرى: قرأ عليه ما شاء الله أن يقرأ، ثم بعد ذلك أمر أصحابه أن يدخلوا عشرة عشرة تباعاً، فيدخل العشرة فيأكلون حتى يشبعوا وتمتلئ بطونهم، ثم يخرجون ويدخل عشرة غيرهم، فيأكلون حتى تمتلئ بطونهم وهكذا، وهذا من بركة تفل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطعام، أو دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه.
كذلك من المعجزات الحسية التي خص بها الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت تنبئ وتعلم الناس بصدقه: أنه كان ما رفع يده إلا استجيب له.
مثلاً: فـ أبو هريرة كانت أمه كافرة، وكانت تسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء مرة أبو هريرة مغضباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن به شيء فسأله، فقال: ادع لأم أبي هريرة، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم لها، فذهب أبو هريرة يقرع عليها الباب فتلكأت، ثم بعد ذلك أدخلته، فوجد أنها كانت تغتسل، ثم تشهدت لله جل وعلا، وأسلمت بفضل دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم.
كذلك الدعاء في الاستسقاء، فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة جاء رجل فقال: يا رسول الله! هلك المال أو الأولاد والعيال ادع الله أن يسقينا، نزل القحط على المدينة فأشار الرسول صلى الله عليه وسلم ودعا الله جل وعلا؛ فجاءت سحابة فوق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم هطل المطر، وما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من على المنبر إلا وقد أغرقت المدينة بالأمطار.
فهذه أيضاً من المعجزات التي حبا الله رسوله صلى الله عليه وسلم.
من آخر المعجزات التي نتكلم عنها: هي انشقاق القمر، فقد كانت معجزة من المعجزات الباهرة لأهل قريش الذين تعنتوا حتى يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ائتنا بآية، وألحوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستجاب الله لرسوله بهذه الآية، فانشق القمر قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر:١ - ٢]، فانشق القمر؛ فنظر القوم إليه فإذا هو نصفين، شق عن يمين، وشق عن يسار! والأصل أنهم مع ذلك لابد أن يؤمنوا، فإن القمر قد انشق أمامهم فهي معجزة وآية من الآيات، فقالوا: لا، سحرنا محمد! ثم قال العاقل فيهم: إن محمداً لن يسحر جميع الناس، انتظروا الوفود التي تأتي من خارج مكة لعلهم رأوا القمر مكتملاً، فانتظروا الوفود فسألوهم، فكل منهم يقول: رأينا القمر انشق نصفين.
وهذه آية أيضاً من الآيات التي حباها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم تدل على صدقه، ولكن إذا أراد الله أن يغوي قوماً فلن تجد لهم هادياً، من قال تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:٥٦].
وقد جاء العلم الحديث يصدق بذلك فقيل: إنهم صعدوا سطح القمر فوجدوا آثار هذا الانشقاق لكن ما آمنوا: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الروم:٧]، فهم أغبي من الحيوانات؛ لأن الله أراهم آيات عظام حتى في الجسد، فهم يحللون الأوعية الدموية، ويرون عظم خلق الله جل وعلا في الإنسان، ومع ذلك لا يؤمنون.
أختم من الآيات والمعجزات الباهرات التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم: أنه ما كان صلى الله عليه وسلم يسير في مكان الشمس فيه حارقة إلا وترى النخل يأتي بعده أو الأشجار تأتي بعده لتظلله، وهذه هي المعجزة التي تكلم عنها الراهب بحيرا لما نظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو صغير مع عمه أبي طالب قال: هذا سيد العالمين! هذا رسول رب العالمين! هذا رحمة للعالمين! فقيل له: كيف عرفت ذلك؟ قال: عرفته من آيات، ثم ذكر الآيات، قال: ما مر على العقبة إلا وكل شجر وحجر ساجد، وهذا لا يكون إلا لنبي، ثم ما جاء على شجر إلا وهو يظلله، يعني: كان القوم يجلسون والشجر يظللهم، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم، تركهم الشجر وظلل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وعرفته بخاتم النبوة الذي هو كبيض الحمامة في ظهره.
وأيضاً: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يختلي ليقضي حاجته بحث عن مكان يبعد فيه، فبحث مرة عن مكان حتى يقضي حاجته دون أن يراه أحد فلم يجد، فأخذ شجرة بغصنها يجرها وراءه، ثم أخذ الأخرى فمشيا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ضمهما ليكونا ساترين له صلى الله عليه وسلم، ثم قضى صلى الله عليه وسلم حاجته.
فهذه بعض المعجزات التي حبا الله بها رسوله، فهي دلائل واضحات حتى يظهر صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة، ولعلهم يستيقنون في ربهم فيعملون بسنته صلى الله عليه وسلم.
يبقى لنا الكلام على الكرامات، وهل حدث لهذه الأمة كرامات أم لا؟ من أيام القرون الأولى إلى يومنا هذا توجد كرامات كثيرة جداً، حدثت حتى لـ سفينة مع الأسد، والعصا التي أضاءت لـ أبي رضي الله عنه وأرضاه، والملائكة التي كانت تسلم على عمران بن الحصين، كل هذه سنتكلم عنها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.