وردت أحاديث كثيرة تبين الحوض وتصفه، وهذه الأحاديث وإن كان فيها اختلاف في ظاهرها، لكن الاختلاف تمثيلي وتقريبي، يعني: النبي صلى الله عليه وسلم اختلفت الروايات عنه في طول هذا الحوض وعرضه، ففي بعض الروايات أنه بين أيلة وعدن، أو بين مقامي هذا ومسيرة ثلاثة أيام، فبين النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث مختلفة مواضع أو مساحة هذا الحوض، وهذه الأحاديث لا تختلف أبداً؛ لأنها تمثيلية تقريبية، وفي رواية: طول هذا الحوض مسيرة شهر وعرضه مسيرة شهر، ومعنى ذلك: أنه دائري أو مربع وزواياه مستوية، وتستوي فيه الأطراف، أما عدد الأواني التي ستشرب منها هذه الأمة فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنها كعدد نجوم السماء، فيستنبط من هذا سعة وكثرة هذه الأواني حتى تسع هذه الأمة بأسرها.
ويستنبط من الرواية الأخرى:(كنجوم السماء): أنها تتلألئ، فيتمتع الشارب متعة معنوية ومتعة حسية، أما المتعة الحسية عندما يشرب من هذا الحوض، شربة هنيئة لا يظمأ بعدها أبداً، فماؤه عذب زلال، أحلى من العسل.
والمتعة المعنوية متعة الروح عند النظر إلى هذه الأواني وهي تتلألئ، كما تتلألئ النجوم في السماء فهي زينة للسماء، وأيضاً هذه الأواني زينة يتمتع الناظر إليها، فيتمتع الشارب حسياً بالشرب شربة هنيئة لا يظمأ بعدها أبداً، ويتمتع معنوياً بالنظر في هذه الأواني اللامعة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في وصف هذا الحوض العظيم:(له ميزابان) يعني: كل ميزاب يصب على الحوض، ميزاب من ذهب وميزاب من ورق، والورق: الفضة، وهذا الحديث يستدل به الفقهاء على أن الذهب والفضة إذا حرم على المؤمن والمسلم استعمال أوانيها في الدنيا، فهي له في الآخرة، مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(هي لهم في الدنيا)، يعني للكفار:(ولكم في الآخرة)، فالميزاب الأول من ذهب والميزاب الثاني من فضة، يصبان في هذا الحوض من نهر الكوثر.
وهذا الماء أبيض من اللبن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(ماؤه أبيض من اللبن)، وفي رواية أخرى قال:(ماؤه أبيض من الورق) يعني: أبيض من الفضة، وهذا فيه زيادة في المعنى، فليس أبيض فقط، بل فيه بريق ولمعان، كأنه يخطف الأبصار، ليس الخطف الذي ورد في الآية، ولكنه يجعل الأبصار تتلألئ إذا نظرت إلى هذا الماء العذب، الذي هو أبيض من الورق، وأبيض من اللبن، أما طعمه فأحلى من العسل، كأنك تشرب العسل، وينزل في صدرك بحلاوته، فهذا الماء أحلى من العسل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
ورائحته أطيب من المسك، فلونه أبيض من اللبن، وطعمه أحلى من العسل، ورائحته أطيب من رائحة المسك، وأفضل ما فيه: أن المرء إذا شرب منه لا يحتاج إلا شربة واحدة بيد النبي صلى الله عليه وسلم الشريفة فلا يظمأ بعد هذه الشربة أبداً، نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا ممن يشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم.