[الأدلة الحديثية على التلازم بين عمل القلب وعمل الجوارح]
أما الأدلة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فأشهر حديث هو ما في الصحيحين: وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله).
وحديث آخر: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام يصلي قال: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم)، فاختلاف القدم بالقدم والمنكب بالمنكب يؤثر في اختلاف القلب؛ لأن الظاهر يؤثر في الباطن، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بأهل الكفر؛ لأن التشبه بهم في الظاهر يقود إلى التشبه بالباطن، قال صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن الذين من قبلكم، شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)، وفي رواية: (لو وجد منهم من ينكح أمه، لوجد في أمتي من يفعل ذلك)، وقد وجد من كان يطأ أمه، والعياذ بالله.
فهذه أدلة من السنة أيضاً على أن الظاهر يرتبط بالباطن، وأن القلب إذا وجد فيه إيمان فلابد أن ينضح على الجوارح.
ولذلك قال الحسن البصري: الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، وقال سعيد بن المسيب -وكثير من أهل العلم يرفعون هذا الأثر، والصحيح أنه من قول سعيد بن المسيب - وذلك حين دخل رحمه الله المسجد فوجد رجلاً يصلي، وأثناء الصلاة كان يلعب برأسه ولحيته، وينظر في يده، فقال سعيد بن المسيب: لو خشع قلبه لخشعت جوارحه.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان في سفرة من الأسفار، فصلى بالناس الفجر، فبعدما سلم وجد اثنين جالسين ولم يصليا، فقال لهما صلى الله عليه وسلم: (ألستما بمسلمين؟!)، فهو رآهما ما صليا، فقال هذا ليس بفعل المسلم الصادق؛ لأن المسلم في الباطن لابد أن يظهر هذا الإسلام وهذا الإيمان في الظاهر، ومن ذلك أداء الصلاة: (فقالا: يا رسول الله صلينا في رحالنا، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم)، هذا يبين أن المرء إذا دخل ووجد الناس يصلون فليصل معهم، (فقال: إذا صليتم في رحالكم فدخلتم المسجد فصلوا مع الإمام فهي فرض له ونافلة لكم).
أيضاً: قال النبي صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس: (آمركم بالإيمان بالله وحده) ثم فسر الإيمان بالله وحده بالأعمال الظاهرة فقال: (شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وأن تؤدوا الخمس من المغنم)، وكلها أعمال ظاهرة فسماها إيماناً.
وأيضاً: قال النبي صلى الله عليه وسلم، كما في السنن: (لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)، فجعل علامة إيمان الرجل أنه يحافظ على الوضوء، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (الوضوء شطر الإيما).
وأيضاً: جعل النبي صلى الله عليه وسلم الأمانة من الأعمال الظاهرة، أي: أن تأمن الشخص على مالك، وعلى نفسك، وعلى عرضك، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا إيمان لمن لا أمانة له)، وأهم الأمانات هي الأمانة في الدين، الأمانة بينك وبين ربك جل وعلا، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [الأنفال:٢٧]، وكم منا قد خان الله، فما منا من أحد إلا وقد خان الله ورسوله، فلو نظر أحدنا في نفسه لوجد أنه وجد بدعة لم ينكرها، فهذه خيانة لله ورسوله، أو وجد انتهاكاً لحرمة من حرمات الله جل وعلا فلم يتكلم ولم يغيره أو لم يدع لأخ له مسلم في ضيق من أمره، أو لم يتعاون معه على البر والتقوى، فهذه خيانة لله ولرسوله، نعوذ بالله من ذلك، فالأمانة أمانة مع الله أولاً، ثم أمانة مع الرسول، ومن الخيانة التي خنا بها الرسول صلى الله عليه وسلم ما نرى من الموالد والرقص والطبل وهذه المهاترات التي يحسب أصحابها أنها احتفالات برسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن على سكوت، فلم نذهب لننكر ونغير، والله هذه خيانة لرسول الله، وكم منا من ترك سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم ويحسب أنه على شيء.
ثم هناك أمانة مع نفسك، وذلك أنك إذا كنت وحدك فلا تخن نفسك وتظلمها فتنتهك محارم الله، فالأمانة مع النفس أن تجعلها قدر الإمكان تستقيم على دين الله جل وعلا.
ثم هناك أمانة مع الغير، وهذه قد ضاعت عند كثير من الناس في زماننا هذا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فتجد الأخ يسرق أخاه، والأخت تسرق أختها، وإذا ذهبت إلى المحاكم وجدت الكثير من أصحاب هذه المشاكل، نسأل الله أن يغفر لنا ويرحمنا، آمين يا رب العالمين.
وكان بعض السلف يقول: من لا أمانة له لا إيمان له، وأختم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة، والحياء شعبة من شعب الإيما).
فهذه كلها دلائل على أن الإيمان الظاهر يرتبط بالإيمان الباطن، أو أن الأعمال الظاهرة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالباطن.