للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضابط الصفات السلبية]

ضابط الصفات المنفية: أن يتقدم الصفة أداة نفي، كـ (لا) و (ما) و (ليس)، كما قال الله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:٤٦]، وقال جل وعلا: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:٣٨] واللغوب: التعب، يعني: ما مسنا من تعب، فهذا نفي أيضاً.

وقول الله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:٢٥٥]، السنة: الغفلة، والنوم معلوم، فإذاً: هذه صفة منفية عن الله جل وعلا، ضابطها: أن قبلها نفي، فقوله تعالى مثلاً: (وما ربك) قبلها (ما)، وأيضاً قول الله تعالى: {وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} [البقرة:٢٥٥] يعني: لا يتعبه حفظ السموات والأرض، أيضاً هذه صفة منفية عن الله جل وعلا.

فهذا ضابط لا بد من الالتزام به في أمر النفي.

وإذا وصفنا الله بالنفي فلا يجوز أن نصفه بالنفي المحض، والنفي المحض هو: أن تقول مثلاً: لا يتعب، لا ينام، (لا تأخذه سنة) لا يمسه نسيان، فهذا لا يجوز في حق الله جل وعلا؛ لأن النفي المحض لا كمال فيه، وضابط صفات الله جل وعلا: أنها كلها صفات كمال وجلال، فإذا كانت صفات الله جل وعلا كلها صفات كمال وجلال فلا تنفيها نفياً محضاً؛ لأن هذا لا يتضمن كمالاً، بل لا بد أن تنفي عن الله الصفة المنفية مع إثبات كمال الضد، وهذا ضابط في الصفات المنفية، ومثال ذلك: أنك إذا دخلت على وزير أو ملك فقلت له: أنت لست بسارق، ولا زان، ولا زبال، أنت لست بكذا وجلست تعدد المساوئ وتنفيها عنه، فسيكون رد فعله الضرب أو السجن؛ لأن هذا سوء أدب، وليس فيه مدح؛ لأنك عددت المساوئ ونفيتها عنه ولم تبين له كمالاً، أما إذا قلت له: أنت لست بسارق؛ بل أمين، وقد بلغت الذرى في الأمانة، أنت لست بزان، بل عفيف، فقد أثبت له كمال الضد، فإن كان هذا في حق العبد فهو في حق الله جل وعلا أولى.

فلا تقل في قوله الله جل وعلا لله جل وعلا: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:٤٦]: إن الله ليس بظالم وتسكت لا يجوز لك ذلك- بل لا بد أن تقول: الله ليس بظالم؛ لأنه بلغ الكمال في العدل والرحمة.

فالله ليس بظالم؛ لكمال عدله، ولا يصيبه التعب؛ لكمال قدرته، و {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:٢٥٥]؛ لكمال قيوميته وحياته جل وعلا، ولا يمسه لغوب؛ لكمال عزته وقوته وقدرته.

فنفي الصفة السلبية عن الله وإثبات كمال الضد ضابط مهم في الصفات المنفية.