إن الله علم عالم ويرد بهذا على المعتزلة الذين يقولون: عالم بذاته، وهذا أصل أصلوه، قالوا: عالم بذاته، ونفوا صفة العلم نفسها، وأثبتوا الاسم، ونحن قلنا في قاعدة الأسماء: كل اسم من الأسماء الحسنى يتضمن صفة كمال، قال تعالى:{إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[يوسف:٦]، عليم اسم من أسماء الله يتضمن صفة العلم، فهم يفرغون الاسم من الصفة؛ ولذلك يقولون: عالم بذاته لا بعلمه.
فالطائفة الأولى الذين نفوا علم الله هم اليهود عليهم لعنة الله أولاً وآخراً بحراً وجواً فوقاً وتحتاً، ونسأل الله جل وعلا أن يقر أعيننا بهلاك اليهود في الدنيا قبل عرصات يوم القيامة، فهم نفوا علم الله جل وعلا، بل تجرءوا على الله وقالوا: الله لا يعلم ما يكون، ويستفيد الله جل وعلا من التجارب، ولذلك في التوراة المزعومة قالوا: لما خلق الله الخلق نظر إلى الفساد العارم الذي أحدثه الخلق فندم وبكى فأرمد؛ فعين الله غامضة؛ لأنه لا يعلم ما سيحدث من بني آدم، فاستفاد من التجارب وكأن الله جل وعلا لن يخلق خلقاً ثانياً حاشا لله.
وأفراخ اليهود من هذه الأمة هم: القدرية الذين نفوا القدر، فهم ينفون علم الله جل وعلا، وهم لا ينفون العلم السابق، ولكن ينفون اللاحق، ينفون علم الله جل وعلا بما يكون، ويقولون: الله جل وعلا لا يعلم أفعال العباد حتى يفعلها العباد، والرد عليهم بالآيات التي تثبت علم الله بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف سيكون.
الطائفة الثالثة من الطوائف المبتدعة الذين نفوا علم الله: الفلاسفة، وهم لا يصرحون بالنفي، كما قالوا في القرآن: هو من وحي محمد، فمحمد هو صاحب النفس الزكية أتاه القلب فتخيل بياضاً اسمه جبريل، ثم سمع منه وحياً يسمى القرآن! وكأن القرآن من عند محمد، لكن لم يقولوها صراحة، فالفلاسفة قالوا: إن الله لا يعلم الجزئيات وإنما يعلم الكليات فقط، أما الأشياء الخفية والدقيقة فلا يعلمها، وهذه تستلزم أنه يخفى عنه الجزئيات ولا يعلم الكليات؛ لأن كل جزء بجانب جزء يعطي الكل، فمن نفى الجزء فقد نفى الكل.
والرد عليهم بأن الله جل وعلا أثبت في كتابه أنه علم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف سيكون.