إن سمع الله جل وعلا أقسام: سمع إدراك وإحاطة، فهو جل وعلا أحاط بكل المسموعات ما دق منها وما خفي، وما جل منها وما عظم، لا يخفى على الله جل وعلا شيء من الأصوات، سواء أكانت أصوات دعاء أم أصوات استغاثة، لا يخفى عليه من ذلك شيء، بل يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، ويرى مخ ساقها سبحانه وتعالى، ولا تختلف عليه اللغات، ولذلك قال الله في الحديث القدسي:(يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني) معلوم أن الناس تختلف لغاتهم، وهذه من قدرة الله جل وعلا في الخلق، الإنجليزي والفرنسي والروسي والصيني والعربي والعجمي كل واحد له لغة مختلفة، ومع ذلك لو قاموا في صعيد واحد وفي وقت واحد فسأل كل واحد منهم مسألته من الله وأعطى كل واحد مسألته لوسع سمعه كل الأصوات، فهذا سمع إحاطة وإدراك، وكل مكتوب ومسموع لا يخفى على الله سبحانه، والله جل وعلا يسمع من يناجيه؛ فيثيبه على المناجاة فيقربه إليه، ويسمع من يدعوه ويرجوه؛ فيتقبل دعاءه ولا يرده خائباً، كما قال الله تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[البقرة:١٨٦]، فهو قريبٌ يسمع دعوة الداعي فيجيب دعاءه، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن الله ينزل ثلث الليل الآخر فيقول: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فأستجيب له؟) أي: أسمع دعاءه فأستجيب له.
فلا بدَّ أن نستحضر صفة السمع عندما نرفع أيدينا إلى الله جل وعلا وأن يكون دعاؤنا بصدق وإخلاص، فالله يسمع دعاءنا فيستجيب لنا، ولعل رجلاً مخلصاً واحداً قام في ثلث الليل الآخر فرفع يده فدعا الله جل وعلا؛ فسمع الله مناجاته وصوته الخافت، ويتذلّله وانكساره بين يديه جل وعلا استجاب الله له ورفع الغمة عن الأمة، والله جل وعلا وسع سمعه كل الأصوات، فهو يسمع من يخفت صوته مناجاة له؛ كما في حديث أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(مررت بك يا أبا بكر وأنت تخافت بقراءتك، قال: إني أسمع من أناجي) فالله جل وعلا قريب من العبد مع علوه، ولا يخفى عليه شيء، ويثيب من يناجيه جل وعلا.
القسم الثاني: سمع تأييد ونصرة وتسديد، وهذا السمع لو استحضره أهل الإيمان وأهل الصدق وأهل الجهاد لفازوا به، وهذا السمع يُقبل عليه كل مسلم مؤمن صادق مصدق بقوة الله وقدرته، فموسى وهارون لما خافا من بطش فرعون، فقالا:{إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى}[طه:٤٥]، قال الله تعالى مجيباً لهما:{لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}[طه:٤٦] أي: أسمع ما يقال لكما، واعلما أن نصري لكما بالتأييد والتسديد موجود.
فهذا سمع تأييد ونصرة وتسديد، فما أفقر العباد الآن إلى سمع الله جل وعلا سمع التأييد والتسديد والنصرة.
القسم الثالث: من أقسام السمع لله جل وعلا: سمع التهديد والوعيد، وما أحرى الكفار والمنافقين أن يستحضروا سمع الله جل وعلا الذي فيه الزجر والردع والتهديد والوعيد، هذا السمع نستنبطه من قول الله تعالى:{لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ}[آل عمران:١٨١]، هذا تهديد شديد؛ لأن الله يسمع المنافق الذي يكيد في الليل بالمؤمنين، ويسمع الكافر الذي يريد أن ينكس راية لا إله إلا الله ويرفع راية الكفر، فالله يسمع ذلك ويهدد بأنه يسمع ذلك؛ لأنهم راجعون إليه وسيحاسبهم.
أيضاً قال الله تعالى:{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ}[التوبة:٧٨] أي: إن كان مكراً دبر بليل وعاونهم على ذلك المنافقون فهو يعلمه، كما ذكر في غزوة الأحزاب أن المنافقين الذين تخلوا عن الله جل وعلا وعن رسوله ومشوا في ركاب الكفار، فإن الله يسمع هذا التدبير بالليل وهذا المكر ويهددهم بهذا السمع، {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} أي: أنهم سيرجعون إليه وسيحاسبهم على ذلك؛ لأنه يسمع سرهم ونجواهم.