أقوال الناس في رؤية المؤمنين لله جل وعلا ثلاثة: القول الأول: الله جل وعلا يُرى في الدنيا وفي الآخرة، وهذا قول أهل الوجد والارتقاء والفناء من أهل التصوف الذين يجدون في أنفسهم أنهم يرون الله ويرون الرسول، وأن الأولياء خير من الأنبياء، ومنهم من يدعي أنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم.
وإذا اعترض عليهم بأن موسى عليه السلام من الأنبياء الأصفياء، ومن أولي العزم من الرسل، بل هو ثاني أو ثالث مرتبة عند الله جل وعلا، سأل الله أن يراه فلم يره، ولم يعطه الله جل وعلا ذلك، ردوا بقولهم: إن الولي هو الذي يرى الله، والولي أعلى مرتبة من النبي، ألا ترى أن الخضر عليه الصلاة والسلام، -وهم يقولون: إنه ولي- جاءه موسى يسعى حثيثاً حتى يتعلم منه وهو ولي وموسى نبي؟ فالأولياء عندهم أفضل من الأنبياء، والولاية درجة أعلى من درجة النبوة، فللولي أن يرى الله جل وعلا دون النبي.
وكذلك قالوا: إنه من الممكن للإنسان أن يرى الله، وهؤلاء هم أصحاب ابن عربي الذي يتبنى مذهب الحلول والاتحاد، ولذلك قالوا: لما طلب موسى من ربه أن يراه وتجلى الله جل وعلا رأى موسى نفسه فكأنما رأى الله جل وعلا! يعني: أن الله جل وعلا حل فيه، وهذا القول أشد من قول النصارى في عيسى عليه السلام، فمن الممكن عندهم للإنسان أن يرى الله؛ لأن الله حل في كل إنسان.
وهذا قول الفريق الأول من الناس، وكلامهم لا يمر على جاهل فضلاً على طالب العلم، وهذا القول ضعيف ونحن في غنى عن أن نرد عليه.
القول الثاني وهو على النقيض وهو قول أهل البدع من الجهمية وغيرهم، الذين قالوا: إن الله جل وعلا لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة، فنفوا رؤية عن الله جل وعلا، وهؤلاء لنا معهم كلام آخر في النهاية.
القول الوسط هو قول أهل السنة والجماعة، الذين قالوا: إن الله جل وعلا يرى في الآخرة دون الدنيا.