للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجود الجنة والنار مخلوقتان الآن]

بعد ذلك انتقل المصنف إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن الجنة والنار مخلوقتان.

والجنة لغة: هي البستان كثير الأشجار والثمار، قال الله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا} [الكهف:٣٢].

وشرعاً: هي دار المقامة، ودار الخلود التي كلمنا الله عنها بأنها منازلنا الأولى.

والنار لغة: مادة الإحراق.

وشرعاً: هي أيضاً دار المقامة للكافرين.

وقد بين الله جل وعلا أن النار والجنة مخلوقتان الآن خلافاً للمعتزلة وغيرهم من أهل البدع، قال الله تعالى عن الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:١٣٣] وأعدت: فعل ماضٍ، بمعنى: أنه قد فرغ منها، وقال عن جهنم: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:٢٤] فجهنم أيضاً محل للكافرين وقد أعدت، وأعدت يعني: فرغ منها.

وأيضاً في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس حين كسفت الشمس يوماً، وبعد أن صلى بالناس صلاة الكسوف قال: (أريت كل شيء في مقامي هذا، حتى إني رأيت الجنة عندما رأيتموني تقدمت فأخذت عنقوداً -يعني: رأى الجنة ورأى ما فيها من ثمار- ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا -أو ما بقيتم- وأريت النار فلم أر منظراً كاليوم أفظع من هذه النار).

وقال: (ورأيت فيها عمرو بن لحي وهو الذي سيب السوائب)، وفي رواية أخرى في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ورأيت النار، ورأيت هرة تخدش امرأة -أي: تأخذها في النار، فالهرة في النار والمرأة في النار- فقلت: ما هذه؟ -يعني: ما شأنها- فقيل: هذه المرأة حبستها حتى ماتت جوعاً، لا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض) فهذه المرأة حبست هرة، وما حبست رجلاً يقول: لا إله إلا الله ما حبست رجلاً يقيم الليل بدموعه لله ما حبست رجلاً يجوب الأرض شرقاً وغرباً يدعو إلى الله جل وعلا ما حبست رجلاً باع نفسه لله وقال قسطاً وعدلاً: أنا وقف لله ما حبست رجلاً ينشر دين الله جل وعلا، حبست هرة فقط فكان عقابها أن الهرة تخدشها في نار جهنم.

فما بال الذين يجحفون على أهل الله، وعلى أولياء الله، ويحبسون الذين ينشرون دعوة الله جل وعلا، لا يبغون من ذلك إلا إعلاء كلمة الله، فيجحفون عليهم، ويشددون وطأتهم عليهم؟! ألا يعتبرون بالمرأة التي عذبت بالهرة؟! الجزاء من جنس العمل، فقد جعل الله لها هرة تخدشها في النار.

وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (لما صلى العيد شق الصفوف ونزل على النساء فوعظهن، ثم أمرهن فقال: تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار) وقوله: (رأيتكن أكثر أهل النار) رؤيا الأنبياء حق، أو أنه رآهن عند الإسراء والمعراج (قلن: لم يا رسول الله؟ قال: تكفرن، قيل: يكفرن بالله؟ قال: تكفرن العشير والإحسان) فيحسن لها الرجل طيلة حياته أو مدة من الزمن (فإذا رأت منه شيئاً قالت: ما رأيت خيراً منك قط).

وأيضاً النبي صلى الله عليه وسلم لما تكلم عن الجنة قال: (رأيت قصراً فيها، ورأيت امرأة وضيئة -يعني: امرأة شديدة الجمال- تتوضأ فقلت: لمن هذا القصر؟ -فالنبي صلى الله عليه وسلم من تواضعه- يقول: فحسبت أنه لي، فقيل: هو لعبد من أمتك يدعى عمر قال: فعلمت غيرة عمر فلم أدخل هذا القصر) ورؤيا الأنبياء حق.

والنبي صلى الله عليه وسلم قال في منزلة سعد: (لمنديل من مناديل سعد بن معاذ -رضي الله عنه وأرضاه- خير من الدنيا وما فيها).

فالجنة موجودة، والنار أيضاً موجودة، وقد بين ذلك الله جل وعلا في كتابه إجمالاً، وفصل لنا النبي صلى الله عليه وسلم تفصيلاً في سنته صلى الله عليه وسلم.