[مسألة: هل رؤية الله خاصة بالمؤمنين أو عامة للمؤمنين والكفار؟]
وهنا مسألة في الرؤية وهي: هل رؤية الله تعالى في عرصات يوم القيامة خاصة بالمؤمنين فقط أم يراه الكفار أيضاً؟ اختلف العلماء في هذه على ثلاثة أقوال: القول الأول: إن الكل يرى الله جل وعلا: المؤمن والكافر على الإطلاق.
والقول الثاني: إنه لا يرى الله جل وعلا إلا المؤمن التقي النقي.
والقول الثالث: إن الله جل وعلا يراه في عرصات يوم القيامة المؤمنون والمنافقون.
ولكل قول دليل، فالذين قالوا بأن الكفار يرون الله جل وعلا يوم القيامة قالوا: إن هذه الرؤية ليست رؤية كرامة ولا رحمة ولا تشريف، ولكنها رؤية محاسبة، واستدلوا على ذلك بأدلة: منها: أولاً: قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥] قالوا: فقد حجبوا بعدما رأوا، وهذه ذلة ومهانة وتحزين لهم.
وأوضح دليل لهم في ذلك هو قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:٦]، فالملاقاة يلزم منها المعاينة.
ثانياً: حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه: أنه بعدما سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم: هل يرون ربهم؟ فقال: (يأتي الله جل وعلا بالعبد ليس بينه وبينه أحد فيقول: عبدي! ألم أكرمك؟ ألم أسودك؟ ألم أعطك كذا وكذا وكذا فيقرره بنعائمه، فيقر بهذه النعم، ثم يقول: ما ظننت أنك ملاقي؟ فيقول: رب لا! ما ظننت ذلك، فيقول الله جل وعلا: أنساك اليوم كما نسيتني)، فهذا فيه دلالة على أنه ستحدث بينه وبين الله جل وعلا محادثة، وأنه يلقى الله جل وعلا، والملاقاة يلزم منها المعاينة.
ثالثاً: عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد إلا وسيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان، يذكره بكذا وكذا وكذا) أي: أن كل الناس سيحاسبهم الله جل وعلا.
واستدل أصحاب القول الثاني على أنه لا يرى الله إلا المؤمنون بقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥]، فالمؤمن يرى الله جل وعلا في الرضا والكافر يحجب في السخط.
ومن أدلتهم: حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه: (أنه بعدما سأل المؤمنون النبي صلى الله عليه وسلم: هل يرون ربهم؟ قال: هل ترون القمر؟ -إلى آخر الحديث، ثم قال: فينادي مناد: من كان يعبد أحداً فليتبعه) فمن كان يعبد الصليب فيتبع الصليب حتى يتهاوى به إلى نار جهنم، ومن كان يعبد عيسى فإن الشيطان يتمثل له بعيسى عليه السلام ويتهاوى به إلى نار جهنم، ومن كان يعبد الشمس فإنها تصور وتلقى في نار جهنم ويلقى خلفها في نار جهنم، فوجه الشاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الكافرين بعد أن ذكر أن المؤمنين يرون ربهم: إن كل كافر سيتبع ما كان يعبد، ففيه دلالة على أن المؤمن فقط هو الذي سيرى الله جل وعلا.
واستدل أصحاب القول الثالث بدليل واضح جلي وهو: حديث أبي هريرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن قال: (وكل يتبع معبوده) قال: (ثم يبقى المؤمنون والمنافقون وطائفة من أهل الكتاب)، فيبقى المؤمنون، والمنافقون الذين يسجدون رياء ونفاقاً، وطائفة من اليهود الذين وحدوا الله جل وعلا، (فيأتيهم الله جل وعلا على غير الصورة التي يعرفونها، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، لا نشرك بالله أحداً، فيقول الله جل وعلا لهم: هل بينكم وبينه آية؟ فيقولون: نعم، فيكشف الله جل وعلا عن ساق فيخرون جميعاً سجداً لله جل وعلا إلا المنافق) أي: المرائي الذي نافق وسجد نفاقاً ورياء، قال النبي صلى الله عليه وسلم واصفاً إياه: (إلا المنافق يرجع ظهره -أي: حلقات فقرات الظهر- طبقاً واحداً -أي: مستقيماً- فلا يستطيع السجود).
وجه الشاهد من الحديث: أن المؤمنين والمنافقين وطائفة من أهل الكتاب يرون الله جل وعلا.
فإن قيل: إذا كان الكافر لا يرى الله جل وعلا فمن باب أولى ألا يراه المنافق.
و
الجواب
أن رؤية المنافقين من باب التحزين وزيادة الحسرة عليهم، كما أنهم يرون الجنة كأنهم سيدخلونها، فيضرب بينهم بسور له باب، {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:١٤٢]، فهم عندما يرون الله جل وعلا يستشعرون في أنفسهم أن الله حجب نفسه عن الكافرين وهم قد رأوه، فيستيقنون أنهم من أهل الجنة، ثم يخدعون، فلا يرون نوراً يمشون به إلى الجنة فيتساقطون في نار جهنم.
ومن شدة حسرة أهل النار أيضاً أن الحجاب مكشوف بينهم وبين أهل الجنة، فأهل الجنة يرون ما يحدث لأهل النار؛ ليحمدوا الله جل وعلا على هذه النهاية، وأهل النار يرون أهل الجنة فيزدادون حسرة وحزناً شديداً أنهم لم يكونوا من أهل الجنة.