انظروا إلى الإلهام والتوفيق، قام عمر خطيباً بعدما أرسل سرية إلى العراق، وأمر على هذه السرية سارية، فلما كان يخطب الخطبة وتحته عبد الرحمن بن عوف، والناس الجموع غفيرة تنظر إلى أمير المؤمنين وهو يخطب، قطع الخطبة وقال: يا سارية الجبل الجبل! يا سارية الجبل الجبل! ثلاث مرات! فاندهش الناس وقالوا: ما باله؟! كيف يتكلم في هذا؟! وعبد الرحمن بن عوف يتأفف ويتأسف: ماذا يفعل عمر؟! ما الذي جرى له؟! فبعدما نزل عمر قال عبد الرحمن: يا أمير المؤمنين! خشيتُ أن يقول الناس شيئاً، كيف تقول: يا سارية الجبل الجبل! قال: والله لقد شعرت بأن السرية التي بعثتها انهزموا، وأن النصر لا يكون حليفاً لهم إلا إذا احتموا بالجبل، فقدم رسول الجيش فقال: يا أمير المؤمنين! انهزمنا أولاً، ثم سمعنا صوتاً مدوياً ... إلخ.
ولو كان عمر موجوداً في الأمة اليوم والله لانتصرنا، والله الذي لا إله إلا هو لرفعنا راية لا إله إلا الله، وكنا تحتها منتصرين أعزاء، لكن كتب الله جل وعلا أن الخيار يكون مع خير البرية؛ لأن الله جل وعلا حكيم يضع الشيء في موضعه، فهؤلاء الأماجد الأكارم لا يكونون إلا مع سيد البشر، فـ عمر رضي الله عنه وأرضاه لما قال: يا سارية الجبل الجبل! قال الرجل: فسمعنا صوتاً مدوياً يقول: يا سارية الجبل الجبل! فرجعنا حتى احتمينا بالجبل؛ فكتب الله لنا النصر.
هذه كرامة من الله جل وعلا لعبد من عباد الله رضي الله عنه وأرضاه عمر بن الخطاب، وكان من تفرسه إذا نظر إلى الشخص يعلم أنه كذاب أو صادق، فتكلم معه بعض الناس بكلام، فكلما عرض بكلمة قال له: احذف هذه، لا تكمل هذا الكلام، فيحذفه ثم يعرض عليه بكلمة أخرى، فيقول: احذفها، فيقول: أنت كذبت فيها فيقول الرجل: نعم يا أمير المؤمنين، وهذا من تفرسه وشدة فراسته رضي الله عنه وأرضاه.
كذلك الرجل الذي جاءه فقال: اسمي جمرة بن لظى بن كذا بن كذا، قال: أدرك بيتك فقد احترق، فذهب الرجل إلى بيته وقد احترق!