للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ترتيب الخلفاء الأربعة في الفضل]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد: فنحن على مشارف الانتهاء من هذا الكتاب الجليل العظيم: كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، وقد انتهينا من الكلام على فضائل الأئمة الأربعة خير هذه الأمة بعد نبينا صلى الله عليه وسلم: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , واليوم سنتكلم بإذن الله عن ترتيبهم في الفضل.

الخلفاء هم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، فهل هذا الترتيب في الخلافة هو نفس الترتيب في الفضل أم هناك خلاف بين أهل العلم؟ لم يحدث خلاف بين أهل السنة والجماعة في تفضيل أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه على الأمة بأسرها سوى النبي صلى الله عليه وسلم, ثم تفضيل عمر رضي الله عنه وأرضاه بعد أبي بكر.

روى اللالكائي في هذا الكتاب العظيم أنه سئل الإمام مالك: أي الأمة أفضل؟ قال: أما أبو بكر وعمر فلا خلاف فيهما, وأما علي وعثمان فحدث فيهما الخلاف, وحقاً قد حدث بعض الخلاف بين أهل السنة والجماعة في تقديم علي على عثمان، فقد كان أبو حنيفة والثوري وبعض علماء أهل الكوفة يرون تقديم علي رضي الله عنه وأرضاه على عثمان بن عفان، ولم يخالفوا في تقديم أبي بكر وعمر، فقد رضيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم للدين فرضوهم للدنيا.

وإيمان أبي بكر لو وضع في كفة ووضع إيمان الأمة في كفة لرجحت كفة إيمان أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.

وجاء بسند صحيح عن عبد الرحمن بن عوف قال: ما سبق أبو بكر الأمة بكثير صلاة ولا صيام، ولكن سبق الأمة بشيء قد وقر في قلبه, وعمر وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه الملهم في هذه الأمة، ولو سلك عمر فجاً لسلك الشيطان فجاً غير الفج الذي سلكه عمر رضي الله عنه وأرضاه.

وقد قام علي بن أبي طالب على منبر الكوفة يخطب في الناس ويقول: خير هذه الأمة بعد نبينا صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر ثم قال رضي الله عنه وأرضاه: من فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد المفتري، أي: ثمانين جلدة, وفي رواية أخرى أن علي بن أبي طالب قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم الله أعلم، وهذه الرواية تلمح بأن علي بن أبي طالب ما كان يرى تقدم عثمان عليه, لكن سنبين بالأدلة القاطعة أن عثمان يتقدم في القدر على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه, وهذا الخلاف بين أهل السنة والجماعة قد قطع وحسم بالأثر والنظر.

أما بالأثر ففي الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه قال: كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نقول: أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسمع ذلك ويقر به، فلو كان عثمان يتقدم على علي في القدر لأنكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم، ولقدمه على عثمان في القدر.

أيضاً ورد عن عبد الرحمن بن عوف قال: ما رأيت الأنصار والمهاجرين يعدلون بـ عثمان أحداً حتى النساء في خدورهن، يعني اتفقوا على تقديم عثمان على علي رضي الله عنه وأرضاه.

وأيضاً جاء بسند صحيح عن أيوب السختياني أنه قال: من فضل علي على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار؛ أي: لأنهم ما اختاروا إلا الأفضل, وهو عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه.

وجاء إلى الحسن البصري رجل من أهل الشام فقال: من أفضل أبو بكر أم علي؟ فقال: أما علي فله سوابق وقد شاركه فيها أبو بكر -وهي سبق الإسلام ومناصرة الدين- وكان لـ علي أحداث لم يشاركه فيها أبو بكر، ويقصد بذلك الفتن التي حدثت في قتال الجمل وصفين، وما حدث بينه وبين الصحابة مثل طلحة والزبير، وهذه ما كانت في عهد أبي بكر، فيفضل بذلك أبو بكر على علي.

ثم قال: أعلي أفضل أم عمر؟ فقال: كان لـ علي سوابق شاركه فيها عمر، وكان لـ علي أحداث لم يشاركه فيها عمر، فـ عمر كان سيفاً قاطعاً في الحق، وما قصر في السير على نهج النبي وأبي بكر، وكان هو الباب الذي إذا كسر فتحت الفتن، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه لم يشارك علياً في الأحداث، فـ عمر أفضل من علي.

ثم قال: من أفضل عثمان أم علي؟ فقال له مثلما قال في أبي بكر وعمر.

ثم قال له في الرابعة: من أفضل علي أم معاوية؟ فقال له: أما علي فله سوابق لم يشاركه فيها معاوية، وكانت له أحداث شاركه فيها معاوية، فـ علي أفضل.

إذاً: استقر عند أهل السنة والجماعة أن فضلهم مثل ترتيبهم في الخلافة: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنه وأرضاه, وهذا الآن اتفاق عند أهل السنة والجماعة.