للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التوسل المشروع وأنواعه]

أما الفريق الأول الذين توسلوا بما شرعه الله في كتابه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أي تقربوا بما في الكتاب أو في السنة وقد أرشدنا الكتاب والسنة أن نتوسل لله جل وعلا بأنواع ثلاثة: التوسل الأول: التوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا، وهو أن تتوسل إلى الله جل وعلا بين يدي حاجتك حتى تقبل عند الله بأسمائه وصفاته، كأن تقول: يا غفور! اغفر لي، يا رحمن! ارحمني، اللهم! بعزتك أعز الإسلام، اللهم برحمتك ارحمني، وهذا يسمى توسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا جل وعلا.

ودليله من الكتاب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:١٨٠] أي توسلوا إليه بها، وأيضاً قال الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:١١٠].

ومن السنة حديث: (مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل يصلي، فلما قرأ التشهد قال: اللهم! إني أسألك يا ألله! يا واحد! يا أحد! يا فرد! يا صمد! يا من لم يلد ولم يولد! ولم يكن لك كفواً أحد! اللهم! اغفر لي فإنك أنت الغفور الرحيم.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى)، انظروا إلى توسل الرجل قال: أسألك يا ألله! وهو اسم الله الأعظم، ثم ذكر الصفات التي تضاف إلى الله، فقال: يا واحد! يا أحد! توحيد لله جل وعلا، يا صمد! والصمد هو الذي لا يحتاج لأحد، بل الكل يصمد إليه ويسأله حاجاته، ومن معاني الصمد هو الذي لا يأكل ولا يشرب، فلا جوف له.

فيتوسل إلى الله بأسمائه جل وعلا.

ومن توسل النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: (يا حي! يا قيوم! برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين).

فتوسل باسم الله الحي، الذي يتضمن صفة الحياة، وقوله: يا قيوم! توسل باسم الله القيوم الذي يتضمن صفة القيومية، هذا توسله بالأسماء وفي آخر الحديث توسل بالصفة، فقال: (برحمتك أستغيث) أي: أتوسل إليك بصفة الرحمة.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول أيضاً: (وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)، فهو توسل بصفة العظمة لله جل وعلا، وقال: (وأعوذ بعزتك أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون)، فتوسل إلى الله جل وعلا بصفة من صفاته الدالة على الكمال وهي صفة العزة.

وسليمان عليه السلام كان يتوسل إلى الله جل وعلا بالأسماء والصفات، قال الله تعالى على لسان سليمان: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل:١٩]، فتوسل بصفة الرحمة: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل:١٩].

النوع الثاني من أنواع التوسل المشروع: التوسل بالأعمال الصالحة، كحب النبي صلى الله عليه وسلم فتقول مثلاً: اللهم! إني أدعوك بما علمت من حبي لنبيك أن تفرج عني الكرب، أو تدعو الله جل وعلا بعمل قد أخلصت فيه لله، فلم يكن للرياء فيه مسرح، ولا للشيطان فيه مدخل فتتوسل إلى الله بهذا العمل الصالح أن يرزقك ما تريد.

والدليل عليه من الكتاب قول الله تعالى حاكياً عن الذين آمنوا بعيسى: {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:١٦]، وأيضاً قول الله تعالى حاكياً عن أهل الإسلام أنهم قالوا: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} [آل عمران:١٩٣]، يتوسلون بإيمانهم، وهو عمل صالح، {رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ} [آل عمران:١٩٣].

ومن السنة قصة الثلاثة الذين أغلق عليهم الغار، فتقرب كل رجل منهم إلى الله بعمل صالح، رأى في نفسه أنه أخلص لله تعالى فيه فالأول لم يزن بابنة عمه، وأعطاها المال إخلاصاً لوجه الله جل وعلا، فانفرجت فرجة، والثاني قال: أنه كان يبر بوالديه إخلاصاً لله، فقبل الله منه هذا العمل، والثالث: أعطى الأجير حقه ونمى له المال، حتى أعطاه وادياً من الغنم، فاستغرب الأجير أن يكون هذا ماله، لكن الرجل كان أميناً مخلصاً لله جل وعلا، فانفرجت الصخرة التي كانت على باب الغار.

النوع الثالث من أنواع التوسل المشروع: التوسل بدعاء الصالحين، الذين تقربوا إلى الله جل وعلا بالواجبات ثم بالمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات، فنتوسل إلى الله جل وعلا بدعاء الصالحين لا بذواتهم.

والدليل على ذلك من الكتاب، قول الله تعالى حاكياً عن إخوة يوسف: {قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} [يوسف:٩٧]، فطلبوا من أبيهم أن يستغفر لهم ما أخطئوا في حق يوسف عليه السلام.

أما من السنة فحديث عكاشة بن محصن رضي الله عنه وأرضاه، لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سبعون ألفاً يدخلون الجنة) إلى آخر الحديث، فقام عكاشة بن محصن فقال: (يا رسول الله! ادع الله لي أن أكون منهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنت منهم، فقام رجل آخر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: سبقك بها عكاشة).

وأيضاً الحديث الصحيح عن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره إذا رأى أويس القرني أن يطلب منه أن يستغفر له، فهذا دليل على التوسل بدعاء الصالحين.

ويحتج شيخ الإسلام بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لـ عمر وهو ذاهب إلى العمرة: (يا أخي! لا تنسانا من صالح دعائك) وهذا حديث ضعيف تغنينا عنه الأحاديث الصحيحة.