التأصيل الثالث: أن الشر الذي نراه، ويستقبحه العقل، ويستنكره الشرع، ويأباه القلب، عندما خلقه الله جل وعلا، فليس شراً محضاً عارِ عن الحكمة، إنما هو شر نسبي إضافي؛ لأن الشر نوعان: شر محض لا خير فيه من أي وجه من الوجوه.
وشر نسبي إضافي جزئي, فهو شر ومن وجه، ولكنه خير من وجه آخر.
بل قد يكون شراً من وجه واحد، ولكنه خير من وجوه، ومثال ذلك: خلق الله جل وعلا المصائب والبلايا، فإنها في حد ذاتها شر بالنسبة إلى من نزلت عليه وحلت به، لكنها خير من وجوه أخر، منها: أن هذه المصيبة التي نزلت على المرء مكفرة لذنوبه وسيئاته، ومنها: أن الله جل وعلا أصاب المرء بهذه المصبية؛ ليعتبر غيره ويحمد الله على العافية، فيقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به غيري، ثم يدعو له فيؤجر على ذلك، والملك يقول: آمين ولك مثل ذلك، ومنها: أن المصيبة تنزل على المرء؛ ليرتفع درجة عند الله جل وعلا، وتكون تلك المصيبة إشارة على أن الله يحب هذا العبد؛ لأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط.