للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طرف من صفات الصحابة في القرآن]

لقد بين الله مكانة الصحابة وعدالتهم ورضي عنهم وأرضاهم، في كثير من المواطن في الكتاب العزيز فقال سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة:١٠ - ١١] ثم قال: {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ} [الواقعة:١٣ - ١٤]، ووالله لو أن أحداً من الصحابة في هذا العصر لقاد ولساد مشارق الأرض ومغاربها؛ فإن الله ملكهم الدنيا بأسرها في مدة وجيزة من عمر الزمن.

وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين هم الذين قال الله فيهم: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الحشر:٨].

ثم قال عن الأنصار ولم يبخس حقهم: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:٩]، فعدلهم الله من فوق سبع سماوات، فتباً تباً وسحقاً سحقاً لمن ينتقص من قدرهم.

قال الله جل وعلا فيهم -يبين الأخلاقيات السامية العالية-: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [الفتح:٢٩]، هذه من أفضل الصفات التي اتسم واتصف بها هؤلاء الأخيار، أي: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:٢٩].

وحدثت بين أبي ذر وبلال رضي الله عنهما حادثة كالآتي: قال أبو ذر لـ بلال: يا ابن السوداء! -أي: عيره بأنه أسود- فذهب بلال يشتكي لرسول الله صلى الله عليه وسلم -انظر إلى تطبيق الآيات- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ أبي ذر: (أعيرته أمه؟! -فلا يوجد أنساب، ولا تفاخر بمكانات ولا أموال، ولا سيادة أو ريادة، إنما هو الدين، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣]- إنك امرؤ فيك جاهلية) فما كان من أبي ذر إلا -وهو يطبق بحق هذه الآية الكريمة: ((رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)) - أن نزل بخده على التراب وقال: يا بلال! والذي نفسي بيده! لا أرفع خدي حتى تطأ بقدميك عليه، وهذا رفعة لـ بلال، وتبيين لمكانته، وقد قال فيه قبل ذلك عمر رضي الله عنه وأرضاه -وهو يبين لـ أبي سفيان وسهيل بن عمر مكانة بلال -: بلال سيدنا، وأعتقه سيدنا أو قال: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا، أي: بلال رضي الله عنه وأرضاه.

وأجمع ما أنزل الله جل وعلا في تعديل الصحابة هو قول الله تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} [الفتح:٢٦].

قال الله تعالى: (وألزمهم كلمة التقوى) يعني: لا إله إلا الله.

وقوله: (وكانوا أحق بها وأهلها)، يقول ابن مسعود رضي الله عنه -فيما ورد عنه بسند صحيح-: إن الله نظر في قلوب العباد ووجد أن خير هذه القلوب هو قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فاختاره ليكون سيد المرسلين، ثم نظر في قلوب العباد بعد رسول الله فوجد أفضل القلوب قلوب أصحابه؛ فاختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولنصرة دينه.

ثم قال عنهم: فإنهم أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً، وأحسنهم أخلاقاً.

ثم أرشدنا قائلاً: من كان مستناً فليستن بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.