مقاييس الناس عند رب الناس القلوب، ومقاييس الناس عند أراذل الناس وأغرارهم وسفهائهم الوجاهة والسلطان والمال.
(جلس النبي صلى الله عليه وسلم وسط أصحابه فمر عليهم رجل مليء غني وسيم قسيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ماذا ترون هذا فيكم؟ -هذا المليء الغني ذو السلطان والوجاهة- فقالوا رضوان الله عليهم: هذا حري به إذا تكلم أن يسمع) وأربأ بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقيسوا الناس بهذا المقياس، لكن تقدير الكلام: أن الصحابة الكرام يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا عند الناس حري به إذا تكلم أن يسمع، وإذا نكح أن ينكح، وإذا شفع أن يشفع.
ثم مر بعد ذلك رجل رث الثياب، بشع الهيئة، ضعيف، نحيف، حقير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ماذا ترون هذا فيكم؟ قالوا: يا رسول الله! هذا حري به إذا تكلم أن لا يسمع، وإذا نكح أن لا ينكح، وإذا شفع أن لا يشفع)، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم مصححاً لهم ليصححوا للأمة أن مقياس الناس وموازين الناس ومعايير الناس عند رب الناس غير مقاييس الناس عند الناس، قال عن هذا الرجل الذي هو رث الثياب، بشع الهيئة النحيف الضعيف الفقير:(هذا عند الله بملئ الأرض من هذا).
فمقياس الناس عند الناس المال، ويقولون: معك درهم تساوي درهماً، إن كان معك مال تكلم فيسمع لك، إن نكحت ينكح لك، يعني تقبل إن نكحت، وإن تقدمت تقبل، وإن شفعت تشفع، ويؤخذ بكلامك؛ لأنك من ذوي الوجاهات، ومن ذوي الرياسات، ومن ذوي الأموال.
أما مقياس الناس عند رب الناس: فهو طهارة القلوب، نقاء القلوب، فهذه التي عزت بحق في هذه الأمة، وفي هذه الآونة خصوصاً، فقلب واحد مخلص لنصرة الدين أقسم بالله غير حانث وأقسم على قسمي قسماً آخر لقلب واحد صادق مخلص لنصرة الدين، مخلص لوجه الله جل وعلا، والله الذي لا إله إلا هو يجعل الله النصر على يديه، قال الله تعالى:{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ}[الإسراء:٢٥] بما في قلوبكم.
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يمحص الناس بالقلوب، وأمره أن يتكلم مع الأسرى الذين في أيديهم فقال:{إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ}[الأنفال:٧٠].