[دلالة الإجماع على علو الله عز وجل]
الدلالة الثالثة من دلالات علو الله جل وعلا الإجماع: فقد أجمعت الأمة على علو الله جل وعلا، وعلى رأس هذه الأمة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم أعلم الخلق برسول الله وبكلام رسول الله، وبمراد الله وبمراد رسول الله؛ فقد نزل القرآن عليهم بلسانهم العربي المبين، ولا خلاف بين العلماء أن الإجماع الذي يعمل به هو إجماع الصحابة، فأجمعت الصحابة على إثبات علو الله جل وعلا، فهذا أبو بكر رضي الله عنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميت فقبل بين عينيه وقال: (يا رسول الله طبت حياً وميتاً) ثم خرج في الناس وهم يتخبطون فهدأهم وقال: (عباد الله! من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله في السماء حي لا يموت).
فهذا إجماع سكوتي من الصحابة؛ فإنه قال: (فإن الله في السماء) يعتقد ذلك، والصحابة يسمعون أنه يقول: (إن الله في السماء) ويقرون كلامه.
أيضاً ورد عن عمر رضي الله عنه وأرضاه أنه لما ذهب إلى بيت المقدس وكان على بعيره قالوا: لو ارتقيت برذوناً يعني لأجل أن الناس يهابونك ويعلمون أن لك مكانة وأنك أمير المؤمنين، فقال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه منكراً عليهم مشيراً إلى السماء: (الأمر من هاهنا لا من هاهنا) يعني: ليست المظاهر ولا المهابة ولا المكانات تحرك الناس أو تأتي بالنصر أو تأتي بالهزيمة، بل النصر من عند الله والتمكين من عند الله الذي هو في السماء، والتوفيق من الله جل وعلا الذي هو في السماء.
فهذا أيضاً رد على الأشاعرة الذين يحرمون الإشارة إلى السماء؛ فإنه أشار إلى السماء وقال: (الأمر من هاهنا وليس من هاهنا).
وفي رواية أخرى أنه مر في طرقات المدينة، فقابلته خولة بنت حكيم رضي الله عنها وأرضاها فقالت: (إيه يا عمر! كنت في مكة تسمى عميراً، يعني: تلعب مع الأطفال فتضربهم، ثم أصبحت عمر والآن يقال لك: أمير المؤمنين، فاتق الله يا عمر! فإن من خشي الموت أمن الفوت، ومن آمن بالوعد أمن من الوعيد، اتق الله يا عمر، فقال رجل: يا امرأة! أما تعرفين من تكلمين؟! تجرأت على أمير المؤمنين.
قال: دعها فإنها خولة بنت حكيم التي سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات) وقع هذا بمحضر من الصحابة وهم يسمعون قول عمر: (من فوق سبع سماوات) ولا منكر له منهم.
وفي البخاري عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: (سبحان الذي وسع سمعه الأصوات! إن المرأة كانت تشتكي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في ناحية البيت يخفى علي بعض حديثها، والله يقول من فوق سبع سماوات: {وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة:١]).
فقالت: (من فوق سبع سماوات).
وكانت زينب بنت جحش رضي الله عنها وأرضاها تقول: زوجكن آباؤكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات.
فهذا دليل على أن الصحابية الجليلة أم المؤمنين تعتقد أن الله فوق السماوات، وإقرار من أمهات المؤمنين على أن الله فوق السماوات.
وفي التحكيم: لما جاء سعد بن معاذ وحكمه رسول الله في بني قريظة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (احكم فيهم، قال: نعم، فقال: تقتل رجالهم وتسبى نساؤهم، وتؤخذ أموالهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: حكمت بما حكم به الله جل وعلا من فوق سبع سماوات)، فهذا اللفظ من النبي صلى الله عليه وسلم على أن الله جل وعلا فوق السماوات السبع.
وعن ابن مسعود بسند فيه كلام والراجح التصحيح قال: (ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، وما بين السماء الأولى والسماء الثانية مسيرة خمسمائة عام إلى السابعة، وما بين السابعة والكرسي مسيرة خمسمائة عام، وما بين الكرسي والماء مسيرة خمسمائة عام، والله فوق العرش، ولا يخفى عليه منكم شيء سبحانه وتعالى).
فهذه جملة من أقوال الصحابة رضوان الله عليهم تثبت الإجماع على فوقية الله جل وعلا، والكلام ما زال محصوراً في العلو المطلق.
ودخل ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه على عائشة وهي في النفس الأخير وهي تموت رضي الله عنها وأرضاها، فكان يفعل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يموتن أحد منكم إلا وهو يحسن الظن بالله) فقال: أبشري يا أم المؤمنين! إنك حبيبة رسول الله، وزوجته في الجنة، وبرأك الله من فوق سبع سماوات، فهذا دليل على أن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه يعتقد هذه العقيدة والصحابة يقرون بها.