قال الله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} الاستواء يأتي في اللغة على ثلاثة أوجه: إما أن يتعدى بنفسه أو يتعدى بإلى أو يتعدى بعلى، فإذا تعدى بنفسه يكون بمعنى اعتدل وقام، أو اعتدل قائماً، يفهم هذا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم:(استووا ولا تختلفوا) أي: اعتدلوا حال كونكم قائمين، ويتعدى بإلى فيكون بمعنى القصد، وهذا هو الذي يؤوله المعطلة والمعتزلة والجهمية، وتكون على بمعنى إلى فيكون معنى استوى إلى كذا أي: قصد كذا، قال الله تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}[البقرة:٢٩] وليس معنى استوى إلى السماء علا وارتفع، بل المعنى: قصد السماء ليخلقها.
ويتعدى بعلى كما في قوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، وتكون على أربعة معان: علا وارتفع وصعد واستقر.
وقوله:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} الرحمن اسم من أسماء الله الحسنى يتضمن صفة الرحمة وهي صفة ذاتية، يعني: أزلية أبدية لا تنفك عن الله جل وعلا، والعرش هو السقف الذي أحاط بالسماء، وهو في اللغة: السرير الخاص بالملك، والله جل وعلا وصف عرش ملكة سبأ بأنه عظيم فقال:{وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}[النمل:٢٣] فكيف بعرش الله جل وعلا؟ فالعرش هو السرير الخاص بالملك، وهو سرير عظيم وصفه الله بالعظمة والمجد فقال:{ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ}[البروج:١٥]، وقال جل وعلا:{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}[المؤمنون:١١٦] فوصفه بالكرم، وفي قوله:{رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}[التوبة:١٢٩] وصفه بالعظمة، ووصفه النبي صلى الله عليه وسلم فقال:(فرأيت موسى متعلقاً بقوائم العرش)، فدل هذا الحديث على أن للعرش قوائم، ويحمله ثمانية ملائكة، ويؤول أهل البدع العرش بالملك فيقولون: العرش معناه: الملك، فنقول لهم: هذا لفظ ظاهر قد صرفتموه عن ظاهره، فما القرينة الصارفة له عن ظاهره؟ وهل يصح أن نقول: الرحمن على الملك استوى؟! حاشا لله، فهم يقصدون بذلك أن تقول: الرحمن على الملك استولى كما سنبين تأويلاتهم الباطلة.
وأيضاً هذا التأويل تأباه النفس، وقال تعالى:{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}[الحاقة:١٧] فهل معنى هذا يحمل ملك ربك؟! وفي الحديث: إن موسى عليه السلام رآه النبي صلى الله عليه وسلم آخذاً بقوائم العرش.
فهل معنى ذلك: أن موسى مسك وقبض على قوائم الملك بيده، لا بقوائم العرش؟! فهذا رد عليهم.
والحديث الموقوف على ابن مسعود: بين (الكرسي والعرش مسيرة خمسمائة عام) وصح أن ابن عباس قال: (الكرسي موضع القدمين)، فما بالكم بالعرش؟!