[أنواع الأقدار النازلة بالإنسان]
الأقدار التي تنزل على الإنسان على قسمين: أقدار لا اختيار له فيها ولا إرادة، وهذه الأقدار مثل البلايا التي تنزل على الناس كالتقتيل والتشريد، وهجوم الكفرة على المسلمين، وعلو غيرهم عليهم، فكل هذه من الأقدار التي لا اختيار للعبد فيها، ولا يستطيع العبد أن يفعل معها شيئاً، بل إنها تنزل عليه فلا يستطيع ردها، فهذه يتعامل معها بالتسليم قال الله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة:١٥٦ - ١٥٧] وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ} [التغابن:١١] فيستسلم ويقول: هذه من عند الله، كتبت قبل أن أخلق بخمسين ألف سنة {يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن:١١] أي: يهد قلبه للإيمان، ويعمق الإيمان في قلبه، فيرضى بقدر الله جل وعلا، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط) هذه النوع الأول.
النوع الثاني من القدر: قدر شرعي ليس كونياً وهو البلايا والأقدار التي يستطيع المرء أن يدافعها، فإن لم يدافعها فهو آثم، مثاله: أن يدافع أسباب الموت بأسباب الحياة، فإذا جاءك رجل ليقتلك فإنك تدفع قدر الموت وأسبابه بقدر الحياة.
والجوع المميت تدفعه بالأكل من الميتة نفسها، وإن كانت محرمة، لإنك تدفع قدر الموت بالحياة.
والعطش تدفعه بالشراب، وهذا جاء من فعل النبي وقوله، وهو القدوة لنا.
فمن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (الحرب خدعة)، وقوله لمن سأله: من أي القوم أنتم؟ بعدما أخبروه بما يريد فقال: (نحن من ماء).
وقد خرج أبو بكر وعمر يدفعان قدر الجوع بمن يطعمهما، والنبي صلى الله عليه وسلم قد دافع وأخذ بالأسباب عندما سار في الصحراء حتى وصل المدينة؛ لأنه أخذ رجلاً عالماً بالطريق، حتى لا يضيع نفسه، ومن مدافعته قوله صلى الله عليه وسلم: (تداووا عباد الله، ولا تتداووا بحرام، فإن الله ما أنزل داء إلا وأنزل له دواء)، أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) ولما سحر النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بالأسباب، وقد كانت هذه الأسباب شرعية.
ومن ذلك أيضًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمع أحدكم بالطاعون في أرض فلا يدخل ولا يخرح منها)، وعمر بن الخطاب كان يفعل ذلك، فإنه لما سمع بالطاعون في أرض الشام ما أراد أن يدخلها فقال له أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وأرضاه: يا أمير المؤمنين! أتفر من قدر الله؟ قال: أفر من قدر الله إلى قدر الله.
وكذلك لما سرق الرجل، وقال: مهلاً يا أمير المؤمنين ما سرقت إلا بقدر الله.
قال: مهلاً وأنا أقطع يدك بقدر الله جل وعلا.
فهذه الأقدار لا بد أن يدفعها المرء بالوسائل الشرعية.
نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا ممن يؤمن بالقدر، ويعمل به حق العمل، ويعتقده في قلبه.