[صور من صدق صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم]
قال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:٢٣]، نزلت هذه الآية في أنس بن النضر وأمثاله رضي الله عنهم أجمعين.
وذلك أنه في يوم أحد جاء أنس بن النضر وقال: إن أول قتال مع رسول الله لم أشهده، والله لئن أشهدني الله جل وعلا قتالاً مع رسول الله ليرين الله مني خيراً.
صدق مع الله فصدقه الله، ونشر الله ذكره إلى يوم الدين بقوله سبحانه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} [الأحزاب:٢٣].
ففي غزوة أحد فر كثير من أصحاب رسول الله بل من أفضلهم كـ عثمان بن عفان، وكثير من الصحابة فروا عن رسول الله، وبقى وحيداً فريداً صلى الله عليه وسلم، ودخل أنس بن النضر وسط الجموع والصفوف والأسنة والرماح، يقول له سعد بن معاذ -الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (منديل سعد في الجنة أفضل من الدنيا وما فيها، وخير من الدنيا وما فيها)، أتعرفون سعداً؟ هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اهتز عرش الرحمن لموت سعد) - وهو يفر: أين أنت يا أنس؟! أي: أين تذهب يا أنس؟! فصفوف المشركين مكتظة متكتلة، فقال له أنس: إيه يا سعد! والذي نفسي بيده! إني لأجد ريح الجنة من دون أحد، ودخل رضي الله عنه وأرضاه -وصدق الله: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:٢٣]- يقاتل حتى آخر نفس في حياته فقتل، ولم يعرف بين القتلى، حتى عرفته أخته ببنانه، ووجد فيه تسعين ضربة، ما بين ضربة بسيف أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ونزلت فيه هذه الآية الكريمة: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:٢٣].
وقام قائمهم فنظر إلى السماء فقال: اللهم ارزقني بكافر جلد صنديد، يبقر بطيني ويجدع بأنفي، ثم آتيك فتقول: فيم هذا؟ فأقول: فيك يا رب العالمين! فاستجاب الله له، فكان في الصباح مثلما قال.
وجاء الصادق لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إيمان بصدق وهو يوزع الغنائم، فأراد النبي إعطاءه، فيقول له: (يا رسول الله! ما على هذا بايعتك، بايعتك على أن أدخل ساحة الوغى، فأقاتل فأضرب هاهنا.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اصدق الله يصدقك).
وأنزل الله: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:٢٣]، ووجد الرجل بعد الغزوة ما ضرب إلا بالمكان الذي أشار إليه.
وقام طلحة رضي الله عنه وأرضاه الذي قدم نفس رسول الله على نفسه عملاً بقول الله: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:١١٩]، فما كان لهم أن يرغبوا بأنفسهم عن نفس رسول الله أبداً.
في غزوة أحد بعدما فر الناس عن رسول الله، وبعدما قتل عشرة من الأنصار أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بقي إلا طلحة رضي الله عنه درعاً لرسول الله فيقول: يا رسول الله! لا ترفع رأسك يأتيك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك يا رسول الله! ثم شهر سيفه وقاتل به حتى دق وكسر، فألقى به، وصد السيوف عن رسول الله بيده حتى شلت، ثم قال رسول الله لـ أبي بكر وعمر: (دونكم صاحبكم فقد أوجب)، أي: أوجب الجنة بصدقه؛ لأنه فداني بنفسه.
وجاء أبو دجانة رضي الله عنه وأرضاه فاحتضن رسول الله، والرماح والسيوف تأتي على ظهره، وهو يقول: فداك أبي وأمي يا رسول الله!