يقوم الشخص من القبر إلى أرض المحشر التي قال عنها الله جل وعلا:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ}[إبراهيم:٤٨]، وهي كالقرص النقي أي كالعجينة البيضاء التي ليس فيها ثمة شيء، أرض لم يعص فيها الله جل وعلا قط، ولم يرق فيها دم قط، كلها بيضاء عفراء نقية، يقف عليها الأشخاص، ويحشرون جميعاً لا يتخلف أحد عن الله جل وعلا، قال الله تعالى:{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}[مريم:٩٣ - ٩٥]، وقال جل وعلا:{لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى}[طه:٥٢].
فكل إنسان سيقف أمام ربه جل وعلا، ولا يتخلف أحد عن الحشر إلى أرض المحشر، وستحشر على هيئة بينها النبي صلى الله عليه وسلم، فقد بين أنك ستحشر كما ولدت عارياً غير مكسي ولا مختون، كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم محشورون حفاة عراة غرلاً)، فالكل سيحشرون حفاة عراة غرلاً، يعني: غير مختونين، وأي شيء نقص منك سيأتيك يوم القيامة.
فهذا الحديث لما سمعته عائشة اندهشت، فقالت: يا رسول الله! الرجال والنساء عراة ينظر بعضهم إلى بعض؟! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:(يا عائشة! الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض) هذا اليوم يشيب له الولدان، كما قال عز وجل:{وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}[الحج:٢]، وكما وصف النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث الثابتة في الصحيحين أن الشمس تدنو من الرءوس، فيبلغ الكرب والغم من الناس مبلغاً، لا يطيقونه ولا يحتملونه.
ثم يحشرون إلى المليك المقتدر، يقف المرء على عرصات يوم القيامة فينادى: فلان بن فلان، فيأتي ملكان فيأخذانه، وكأنه ذاهب إلى محكمة، بل هي محكمة، لكن الله جل وعلا هو الحاكم وهو القاضي سبحانه وتعالى إن صح أن نطلق على الله هذه الألفاظ، فإن هذا من باب الأخبار لا من باب الصفات ولا الأسماء، فالله جل وعلا هو الذي سيقضي في أمرك أو سيحكم في أمرك، ولا يغيب عنه شيء.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:(يحشر الله الناس أجمعين الأولين والآخرين في صعيد واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو منهم الشمس) الحديث، قال عز وجل:{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}[الحاقة:١٨].