[خلق أبي بكر الصديق]
كل إنسان منا يتمنى أن يرتقي في الخلق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المرء بحسن خلقه ليدرك درجة الصائم القائم).
أما خلق أبي بكر فهو خلق الأنبياء بالإطلاق، ولو دققت النظر في مواقف أبي بكر ومواقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فستجد أنهما يسيران في خط واحد، ويجلي لك ذلك واضحاً ما قالته خديجة في رسول الله، وما قاله ابن الدغنة في أبي بكر.
أما خديجة لما جاءها رسول الله صلى الله عليه وسلم مهرولاً مسرعاً يقول: دثروني دثروني، قالت: لا والله! لا يخزيك الله أبداً، إنك لتقري الضيف، وتكرم السائل، وتعين على نوائب الحق إلى آخر ما قلت.
وابن الدغنة وصف أبا بكراً بنفس الصفات دون أن يستمع من خديجة ما قالته عن رسول الله.
فقال لـ أبي بكر عندما قامت قريش عليه عندما كان يقرأ ويجتمع عليه الناس، فخاف كبار قريش فقالوا: يجب أن يرحل من مكة، فجاء ابن الدغنة وقال: مثلك لا يخرج؛ أنت أكرم الناس، وأعز الناس، إنك لتعين على نوائب الحق، وتقري الضيف، وتكرم السائل.
فكانت الصفات التي أطلقت عليه من كصفات النبي صلى الله عليه وسلم.
ولو نظرت لـ أبي بكر قبل الإسلام فإنه لم يشرب الخمر قط، والسبب في ذلك أن أبا بكر أتي برجل قد شرب الخمر، فوجده يضع يده في العذرة ويقربها إلى فيه وجعل يشم رائحتها، فقال أبو بكر: إن هذا لسفه، وابتعد عن الخمر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشرب الخمر قط لا في الجاهلية ولا في الإسلام وحاشاه صلى الله عليه وسلم.
وأبو بكر لم يسجد لصنم قط كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويقول أبو بكر عن نفسه: إن أباه أخذه عندما ناهز الحلم وأدخله في كتيبة أصنام، وقال: هذه آلهتك الشم الشوامخ، تسألها وتدعو لها وتعبدها.
فدخل أبو بكر قال: فوجدت الصنم واقفاً فقلت له: إني جائع فأطعمني، فلم يرد علي، ثم قلت له: إني عارٍ فاكسني، فلم يرد علي -كأنه مختبراً لها- قال: فأخذت صخرة وضربت فيها فوقع وانكب على وجهه، فعلمت أنه لا خير فيه، فلم يسجد لصنم قط.
فـ أبو بكر خلقه كخلق النبي صلى الله عليه وسلم.
والله جل وعلا لقب رسوله بأنه رءوف رحيم، وأبو بكر رضي الله عنه وأرضاه أيضاً بالمؤمنين رءوف رحيم، وهذا بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ أبي بكر فقال: (أرفق أمتي وأرحم أمتي بأمتي أبو بكر).
رضي الله عنه وأرضاه.
أيضاً: كان النبي صلى الله عليه وسلم أكرم الناس، كما قال ابن عباس: (كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يدارسه جبريل القرآن).
والمقصود: أن أجود الناس هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجود الناس بعده خليفته أبو بكر رضي الله عنه، فقد أنفق أربعين ألفاً أو أكثر في الدعوة إلى الله، وكان يشتري العبيد ويعتقهم في سبيل الله بنفقة ماله الذي للتجارة، وأنفق ماله كاملاً في تجهيز الجيش، وفي النفقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك قال رسول الله كما في الحديث الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر.
فبكى أبو بكر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟!).
فكان أجود الناس وينفق كل ماله على رسول الله.
وأيضاً: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (واساني بماله وأهله وأنكحني ابنته، سدوا عني كل خوخة إلا خوخة أبي بكر).
رضي الله عنه وأرضاه.
فكرمه يضرب به المثل في مكة وفي خارجها رضي الله عنه وأرضاه، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سخياً.