الله جل وعلا يتكلم بحرف، ويتكلم بصوت مسموع، وكلامه كلام كوني وكلام شرعي كما سنبين، دليل كلام الله جل وعلا بحرف قول الله تعالى:{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}[القلم:١]، {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ}[البقرة:١ - ٢]، وقوله:{حم * عسق}[الشورى:١ - ٢]، وقال الله تعالى:{كهيعص}[مريم:١]، وقال جل وعلا:{طه}[طه:١] الطاء والهاء (طه) من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم كما هو المشهور عند العامة.
ويتكلم الله بصوت يسمع، ودليل ذلك: قال الله تعالى: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[الشعراء:١٠]، والنداء بالهمز دون سماع الصوت، والنداء لابد أن يكون بصوت مسموع، قال تعالى:{وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ}[الصافات:١٠٤]، وقال:{وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ}[مريم:٥٢] نادى موسى عليه السلام، فالنداء لابد أن يكون بصوت.
إذاً: يتكلم الله بحرف مفهوم وبصوت مسموع، وكلام الله جل وعلا لا يحصى ولا يفنى، وهذه من أدلة أنها صفة من صفات الكمال كما سنبين، قال الله تعالى:{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}[الكهف:١٠٩]، وقال الله تعالى:{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ}[لقمان:٢٧]، فالله جل وعلا كلماته لا تفنى ولا تنفد؛ لأنها صفة من صفات الله، باقية ببقاء الله جل وعلا.
ومن صفات كلام الله جل وعلا أن كلمات الله تنقسم إلى قسمين: كلمات كونية، وكلمات شرعية.
الكلمات الكونية: التي منها الخلق والإعطاء والمنع والتعذيب والرحمة، والكلمات الشرعية: التي فيها الأوامر والنواهي، قال الله تعالى:{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[النحل:٤٠]، فقوله:((أَنْ نَقُولَ لَهُ))، الكلمة كلمة كونية منها الخلق؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، فالحفظ والكلأ كلمتان كونيتان، يعني: أعوذ بكلمات الله من كل شيطان رجيم، وأن يحفظني من كل سوء، ويحفظني من كل هم، فالحفظ صفة من صفات الربوبية فهو كلمة كونية.
أما الكلمات الشرعية كقول الله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[البقرة:٤٣]، وقول الله تعالى:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}[النساء:٣٦]، فكل ما تجد من أمر ونهي كلمات شرعية، وكل ما تجد من إعطاء، ومنع، وإحياء، وإماتة، وحفظ، وكلأ، كلمات كونية تتصل بربوبية الله جل وعلا.
ولو جاءنا بعض المبتدعة وقال: أنتم الآن شبهتم الله بخلقه وقلتم هو متكلم، فهو يشبه المخلوقين.
فإن الرد عليهم أن نقول: هذا لازم باطل، ولا يمكن أن نقبله، ولو قلنا: الله غير متكلم ووافقنا أهل البدع، وقلنا: الله لا يمكن أن يتصف بالكلام، فإنه لا يوجد خلق؛ لأن الله خلق بالكلمة فقال:((كُنْ فَيَكُونُ)) أي إذا قلتم: أن الله غير متكلم فلا خلق موجود، لكن الخلق موجود، ولو قلنا بهذه الشبهة فلا يوجد رسل؛ لأن الرسل ما أرسلوا إلا بوحي من الله، يعني: بكلام من الله جل وعلا، فيلزم المعتزلة والجهمية أن الله جل وعلا لم يخلق الخلق؛ لكنه خلق الخلق بكلمة (كن)، ويلزم من قولهم أن الله جل وعلا لم يرسل الرسل؛ لكن الله أرسلهم بوحي وبكلام منه جل وعلا.