من المآثر التي تفيد علو مكانة أبي بكر ما حدث في غزوة السلاسل، كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن العاص أميراً على سرية غزوة السلاسل، وكان عمرو بن العاص رجلاً داهية لا يحب أن يدخل في حرب إلا وقد احتاط بما يمكنه من الانتصار فيها، فبعث للنبي صلى الله عليه وسلم يطلب المدد، فبعث له النبي صلى الله عليه وسلم مدداً، وفيهم ثلاثة هم خيار الأمة: أبو عبيدة بن الجراح وهو أميرهم، وفي القوم أبو بكر وعمر، ومنه استنبط العلماء أنه يجوز للمفضول أن يترأس على الفاضل، ثم دخلوا على عمرو بن العاص، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد نصح أبا عبيدة فقال له:(لا تنازعوا) أي: إياك والنزاع حتى لو قال لك عمرو: الإمارة لي فدعها له، وكان ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم إذ تشبث عمرو بن العاص بالإمارة، فقال له أبو عبيدة: هي لك، وفي الغزوة صلى عمرو بالناس جنباً، والحديث محفوظ، والشاهد في الحديث أن عمرو بن العاص قال في نفسه: ما دام أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أتاني بـ أبي عبيدة وعمر وأبي بكر وأنا متأخر الإسلام، فأنا أحب إلى رسول الله من هؤلاء، مع أنهم سبقوني في الإسلام، فذهب وهو يشتم رائحة القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(يا رسول الله من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة -وهو لا يريد هذه- فقال: ليس عن هذا أسأل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبوها، قال: ثم من؟ قال: عمر، قال: ثم من؟ قال عثمان) فقال في نفسه لو عددت لعد رجالاً وكنت أنا في المتأخرين فسكت على ذلك، وفي هذا دليل على أن أبا بكر كان أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمن طعن في إمامة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، فإنه على وشك الفسق، ومن طعن في دينه فهو كافر خارج من الملة.