والناس في ذلك على ثلاثة أصناف: الصنف الأول: مؤمنون خلص: وهؤلاء هم الذين لهم البشارة، وهم الذين يستبشرون بأعمالهم الخيرة، وبأن الله جل وعلا اصطفاهم له، وهم الذين من نعومة أظفارهم قد نشئوا في عبادة الله جل وعلا، وهؤلاء هم الذين يصدق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم:(سبعة يضلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله -ومنهم-: شاب نشأ في عبادة الله) فهو عبد أول ما فتحت عيناه فتحت على نور الإسلام، فعمل به، فهو ليل نهار يتعبد الله جل وعلا، فهذا هو الذي ينطبق عليه قول الله تعالى:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ}[الأنعام:١٢٥].
وهو الذي انغمس في طلب العلم، أو في الجهاد في سبيل الله، أو في النفقة والصدقة، وهذا الذي يقال فيه:(من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) هذا الصنف الأول من الذين يسروا لما خلقوا له أي: للجنة.
الصنف الثاني مقابل الصنف الأول: وهم الذين خلقهم الله للنار، والذين فتح الله لهم أبواب الغي والضلال على مصراعيه، وهؤلاء ينطبق عليهم قول الله تعالى {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}[الأنعام:١٢٥] فالعبد الذي كلما أمر بالمعروف أو نهي عن المنكر أو دعي إلى الإسلام استهزأ ولم يقبل فهو ميسر لما خلق له من النار، قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}[البقرة:٦]، {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}[البقرة:٧]، أي: طبع الله على قلوبهم، وأغلق عليهم أبواب الخير، وفتح لهم أبواب الشرور.
والصنف الثالث: صنف مخلط بين الصنفين المتقابلين، وهو الذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وهذا لا يقال فيه خلق لما يسر له بالتصريح، وإنما يقال: إن علم الله في قلبه الخير ختم له بالخير، وأن علم الله في قلبه الشر ختم له بالشر.
وهذا ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها -فالأعمال بخواتيهما- وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع)، ويكون قد سبق في علم الله جل وعلا وعلم من قلبه الطهارة والصدق وإرادة الله جل وعلا، ولكن غلبته شهوته، فما يكون بينه وبين النار إلا ذراع، (فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)، أي: يختم له بعمل أهل الجنة.