في صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه وأرضاه أنه كانت له جارية ترعى غنمه، فأخذ الذئب شاة منها، فتغيظ عليها فصكها في وجهها، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم آسفاً على ما فعل نادماً عليه، يريد أن يكفر عما فعل، فقال: يا رسول الله أعتقها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(ائتني بها) وهذه الجارية عمرها من ست إلى تسع، يعني: أن الفطر السليمة لا تنحرف بنفسها، إنما يؤثر عليها غيرها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالهتهم عن دينهم) أي: غيرت فطرهم السليمة، قال عليه الصلاة والسلام:(ائتني بها، فأتى بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لها: أين الله؟ فقالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اعتقها فإنها مؤمنة)، فوسمها بالإيمان لعلتين: العلة الأولى: اعتقادها علو الله، وإقرارها بأن الله على العرش عال فوق السماء.
والعلة الثانية: أنها أقرت برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، فوسمها بالإيمان لما اعتقدت فوقية الله جل وعلا، وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ففي هذا الحديث إقرار فوقية الله، وإثبات علو الله جل وعلا، وفيه فائدتان: الفائدة الأولى: السؤال عن الله بأين؛ لأن الأشاعرة يحرمون ذلك، وهكذا الجهمية أهل التعطيل يحرمون السؤال عن الله جل وعلا بأين، فهذا أكمل الخلق وأعبد الخلق وأعلم الخلق بالله جل وعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن الله بأين، فيقول للجارية:(أين الله؟) فلما قالت: (في السماء) أقرها على ذلك، و (في السماء) هنا بمعنى على السماء، وآمنت برسالته، فقال:(اعتقها فإنها مؤمنة).
فهذه جملة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الدالة على العلو، وقد بلغت التواتر، فإنها تصل إلى نحو خمسين حديثاً تثبت علو الله جل وعلا.