إن أهل البدع يقولون: أنتم تزعمون أن الله يتكلم مع أهل النار، والله جل وعلا ينفي ذلك، قال الله تعالى:{وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[آل عمران:٧٧].
والردَّ عليهم أنه لا تعارض بين كلام الله؛ لأن الكلام: عام وخاص، فالكلام العام قول الله تعالى:{قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ}[المؤمنون:١٠٨]، فكلمهم، أما الكلام الخاص فهو: كلام الرحمة والتلطف والرأفة، وهذا لا يكون إلا للمؤمنين كما قال الله في الحديث القدسي:(أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً).
إذاً: الله متكلم، وصفة الكلام ثابتة لله جل وعلا من الكتاب والسنة، فقد أجمع الصحابة والتابعون وتابعو التابعين على أن الله جل وعلا متكلم وقت ما شاء كيفما شاء، كما سنبين في أمر القرآن، فالإجماع منعقد على أن الله جل وعلا يتكلم وقت ما شاء بما شاء كيفما شاء.
والعقل يثبت هذه الصفة أيضاً لله جل وعلا، حيث إن الخرس نقص عند العقلاء، ويقولون: الذي لا يعرف كيف يعبر عما في نفسه ناقص، والشاهد على ذلك: قول الله تعالى: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ}[الزخرف:٥٢]، والذي يستطيع أن يتكلم ويعبر هذه صفة كمال، فإن كان المتكلم كاملاً، وصفناه بصفة كمال، فالله يتصف بصفة الكمال هذه من باب أولى؛ لأن الكلام كمال وعدم الكلام نقص، والله يتنزه عن كل نقص، ويتصف بكل كمال، وقد بيّن الله جل وعلا أن الكلام صفة كمال، وأن عدم الكلام صفة نقص، ولنا شواهد قرآنية على ذلك: قال الله تعالى: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا}[طه:٨٩]، وفي سورة الأعراف قال:{أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا}[الأعراف:١٤٨]، فبين أن هذا نقص، فلا يمكن أن تعبد آلهة لا تسمع ولا تنظر ولا تتكلم؛ لأن عدم الكلام نقص، فالله جل وعلا أولى أن يتصف بالكمال.
وقال تعالى:{يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا}[مريم:٤٢].
والغرض المقصود: أننا نثبت بالعقل لله صفة الكلام؛ لأنها من باب الكمال، والله يتصف بكل كمال.