هذه الثلاث: السحر والكرامة والمعجزة تتفق في خرق العادات، فالسحر فيه خرق للعادات، فصاحبه يمشي على الماء، ويطير في الهواء، ويفعل الأعاجيب بخرق العادات، والكرامة هي ما يظهره الله على يد ولي من أوليائه؛ إظهاراً لشرفه وكرامته وعلو مكانته عنده، فهذه كرامة من الله جل وعلا بدون مقدمات، فلا يقدم الولي شيئاً حتى تظهر على يديه الكرامة، بل الله يمنحه هذا بدون مقدمات، ولا شك أن المقدمات الأولى هي الطاعات، وأما الساحر فلابد أن يقدم للشيطان حتى يصنع له خوارق العادات.
وأما المعجزة فهي خارقة للعادة والفارق بينها وبين السحر والكرامة أن المعجزة هي خرق للعادة مع التحدي؛ ولذلك سميت معجزة، فالله جل وعلا يعطي النبي المعجزة يتحدى بها البشر أن يأتوا بمثلها، كما أعطى نبيه معجزة القرآن وقال:{وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}[البقرة:٢٣] إلى آخر الآيات: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا}[البقرة:٢٤] وهذا إعجاز، وهل هناك أشد أعجازاً من هذه الآية الكريمة:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}[المسد:١]، فلم يقم أبو لهب وسط الناس ويقول: هو قال: ((تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ)) وأنا سأؤمن بمحمد الآن، لم يفعل ذلك وهذا أكبر إعجاز، فهذا هو الإعجاز المعنوي.
وأما الإعجاز المادي فكقوله:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}[القمر:١]، فقد رأوا القمر شقين: شقاً على اليمين والشق الآخر على اليسار والجبل يفصل بين الشقين، فهذه معجزة تحدى الله عباده أن يأتوا بمثلها، وأما الكرامة فلا يمكن للولي أن يتحدى بها أحداً وإلا فقد كذب على الله، والله يخذله كما يحدث من الساحر، فـ المسيح الدجال ساحر يستعمل الشياطين حتى إن الرجل يأتي إليه ويقول له: إن أردتني أن أؤمن بك فأخرج لي أبي وأمي، فيقول: أين قبراهما؟ فيأتيهما فيقول لأمه: اخرجي، ويقول لأبيه: اخرج، فيخرج أبوه ويخرج أمه، والذي خرج من القبرين حقيقة هما شيطانان يستعملهما، فهو يستعمل الجان؛ ولذلك إذا تحدى وأظهر الإعجاز فإن الله يخذله، فإنه يقول للخربة: أخرجي كنوزك، فتخرج كنوزها، ويقول للسماء: أمطري فتمطر، ويشق الرجل نصفين ثم ينادي به فيأتيه متهللاً فرحاً، فيقول له: أنت الدجال، فإنه يدعي النبوة، ثم بعد ذلك يرتقي فيدعي الربوبية؛ فإذا ادعى الربوبية والإلهية بعد النبوة فإن الله يخذله، فلا يستطيع أن يفعل ما منحه الله من الإعجازات مرة ثانية؛ لأن التحدي لا يكون إلا لنبي من أنبياء الله تعالى.