للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم تارك الصلاة]

لا إله إلا الله أعلى شجرة الإيمان -كما مثلها ابن القيم - فكلما قربت الخصال منها أخذت حكمها، وحكمها: أن من تركها كفر، ومن قالها دخل الإسلام.

(وأدناها إماطة الأذى).

وكلما قربت الخصال من إماطة الأذى أخذت حكمها، يعني: لو ترك بعض الأعمال التي تقترب من إماطة الأذى لا يخرج عن الملة، لكن لا يكون مؤمناً كامل الإيمان.

ولذلك اختلف أهل السنة والجماعة في حكم من ترك الصلاة على قولين: القول الأول: قول الجمهور أن تارك الصلاة ليس بكافر، إلا إذا جحدها، فيكفر بالجحود والإنكار.

واستدلوا من الكتاب بقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨] وترك الصلاة ليس بشرك، إذ هي داخلة تحت قوله: (دُونَ ذَلِكَ) فيغفر ما دون ذلك لمن يشاء سبحانه.

أما الأحاديث فكثيرة جداً، منها: قول رسول الله عليه الصلاة والسلام: (من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة) ولم يذكر الصلاة وقال (من قال: لا إله إلا الله مستيقناً بها قبله دخل الجنة) ولا ذكر للصلاة في هذه الأحاديث.

وحديث بريدة لما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خمس صلوات في اليوم والليلة افترضهن الله على عباده، فمن أحسن وضوءهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة) وإن لم يحسن وضوءهن فليس له عند الله عهد أن يدخل الجنة، فإن شاء عذبه وإن شاء غفر له.

فهو في المشيئة إذاً، فليس بكافر، وهذا حديث قوي.

ومنها: حديث صلة الذي رواه عن حذيفة لما قال حذيفة: يدرس الإسلام -يعني: يندثر الإسلام- حتى لا يبقى منه شيء، فيبقى الرجل الكبير يقول: لا إله إلا الله، أدركت أبائي يقولون ذلك، لا يعرف من الإسلام إلا هذا القول -أي: لا إله إلا الله- فقال صلة مستغرباً: الرجل لا يصلي ولا يصوم ولا يعرف شيئاً عن قواعد الإسلام فكيف ينجيه قول: لا إله إلا الله؟ فقال حذيفة: مبيناً له: تنجيهم يا صلة! تنجيهم يا صلة! تنجيهم يا صلة! الشاهد من هذا الحديث: أن الذي ينجيهم: هو لا إله إلا الله؛ فإنه ما ذكر صلاة ولا صياماً ولا زكاة، وإنما قال فقط: لا إله إلا الله، فقال حذيفة: تنجيهم يا صلة! يعني: لا إله إلا الله تنجيهم.

ومنها: حديث في الصحيحين وهو أرجح حديث لهم، وهو حديث القبضة، وفيه أن الله جل وعلا يجعل المؤمنين يشفعون في إخوانهم، فيقولون: ربنا! إخواننا كانوا يصلون ويزكون ويحجون معنا، فيأمرهم الله جل وعلى أن يخرجوا من النار من عرفوا، وكان في قلبه مثقال ذرة وشعيرة من إيمان إلى آخر الحديث، بعد ما ينتهي المؤمنون يشفع الملائكة، فيخرجون الذي أكلتهم النار وبقي منه أثر السجود، ثم بعد ذلك يقول الله جل وعلا: (شفع المؤمنون وشفعت الملائكة وبقي أرحم الراحمين، فيقبض الله قبضة فيخرج كل من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال ذرة من خير فيدخله الجنة).

فهذه جمل من أدلة أهل السنة والجماعة الذين قالوا: إن تارك الصلاة ليس بكافر ولكنه فاسق فاعل لكبيرة مستحق للعذاب.

أما القول الثاني: فهو قول بعض الحنابلة، وبعض الشافعية، منهم الإمام ابن خزيمة، وحاصل هذا القول: أن حكم تارك الصلاة كافر، ولهم أدلة كثيرة في الكتاب والسنة.

أما من الكتاب فقول الله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة:١١].

فمفهوم المخالفة: إن لم يتوبوا ولم يقيموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فليسوا بإخوان لنا أي: مرتدين.

وكذلك قول الله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر:٤٢ - ٤٥] والشاهد: أن أهل النار ذكروا أن سبب دخولهم فيها: هو أنهم ليسوا من المصلين، فلذلك سلكهم الله في سقر وأحرقهم بنار تلظى.

وأما من السنة: فحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر).

وكذلك لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً في آخر المسجد لا يصلي فقال له: (ألست بمسلم؟! أما صليت معنا؟!).

الراجح من القولين في تارك الصلاة: أنه كافر يخرج من الملة، فهو خالد مخلد في نار جهنم.