للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رؤيا النبي حق وضوابطها]

ذكر المؤلف بعد ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من رآه في المنام فقد رأى الحق، وأن بعضهم رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: من قال: إن القرآن مخلوق فقد كفر، وهذه المسألة مهمة جداً، فأقول: إن رؤيا النبي حق، لكن حتى لا يأتي لنا المتهوكون الذين يرفعون عن أنفسهم التكليف برؤيا النبي صلى الله عليه وسلم، ويأتي لنا من يتبجح علينا ويقول: إن الذي يرى النبي في المنام سيراه في الآخرة، والنبي حي بيننا، وممكن يراه الإنسان في اليقظة، واللوازم عند ذلك لا تنتهي، فنقول لهم: إن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم حق، لكن بشروط منها: الشرط الأول: أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم بنفس الصفة التي وصفها أهل العلم في الكتب المسطرة، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رآني فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي) فكثير جداً يقول: رأيت رأساً، رأيت بدناً دون رأس، رأيت أبيضاً أملحاً، رأيت غترة سوداء، وكلام معيب جداً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضابط هذه المسألة ما ضبطها به العلماء، جاء رجل إلى ابن عباس فقال: رأيت النبي، فقال له: صفه لي؟ فوصفه له، قال: ما رأيت النبي.

وابن سيرين كان من دأبه أن من قال له: رأيت النبي، يقول له: صفه لي؟ فإن كان الوصف يوافق الوصف المسطر المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قد رأيته، وإن لم يكن قال: لم تره.

الشرط الثاني: أن لا يأتينا ببدع من القول، وذلك كأن يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: لا تصل الخمس! صل الأربع فقط! أو أناس ينتظرون رؤية الهلال، فيأتي فيقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وقال: صم غداً فإن رمضان غداً! فكل هذا الكلام لا يصح؛ لأن الشرع قد تم، والوحي قد انتهى.

وأما بالنسبة لما ذكره المصنف أن رجلاً قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: من قال: إن القرآن مخلوق جعلت يمينه يمين قر، فعاش بعد ذلك يوماً أو يومين، ثم يصير إلى النار؛ فإن هذه الرؤى ليست بحجة شرعية، ولذلك أنكر بعض العلماء على المحقق المدقق الإمام ابن القيم في كتابه: الروح؛ لأنه ملأ كتابه بالرؤى، مع أن كل كتب ابن القيم تمتلئ بقال الله، قال رسوله، قال الصحابة الفضلاء، لكن فيه يقول: ورأى صديق في المنام كذا، ورأى صاحبنا في المنام كذا، ورأى فلان كذا وكذا، فالحجة الشرعية ليست في المنام، لكن لا بأس أن نستأنس بهذا الكلام.

ثم روى المصنف بعض الروايات عن أكثر من واحد من السلف أنه قال: من قال: إن القرآن مخلوق فقد كفر.