للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعلم التوحيد أوجب الواجبات]

قوله: [أوجب ما على المرء].

أي: أوجب الواجبات وأفرض المفروضات وأوكد المؤكدات هو التوحيد، وهو معرفة الله جل وعلا معرفة صحيحة ومعرفة ما ينافيه من شرك، وهذا فرض عين على كل امرئ على وجه البسيطة، فيتعرف على الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى إجمالاً.

أما التفصيل والرد على أهل البدع فهو فرض كفاية إن قام به طلبة العلم سقطت عن الآخرين، فأوجب ما على المرء معرفة الله جل وعلا بتوحيده وتصديقه وتصديق رسله، والتعرف عليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى.

فإذا قلنا: أوجب الواجبات معرفة الله ومعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العلى فما هو الدليل على ذلك؟ أقول: لقد ابتدأ الله به في كتابه فقال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:١٩]، ولما علمه القراءة قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:١] حاثاً له على أن يتعلم ما يخص الله جل وعلا وما ينفعه من أمر التوحيد المنافي للشرك، وتعليم هذا لا يكون إلا على فهم سلف الأمة للكتاب والسنة.

والسلف هم الثلاثة القرون المفضلة، فلابد أن نقتفي أثرهم ونطرح قول من قال: (علم السلف أسلم وعلم الخلف أحكم)، قبحه الله من قائل! بل علم السلف أسلم وأحكم، ولن تصلح هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وحتى يكون دينها صافياً كما كان على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لا تحسب المجد تمراً أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا فالعلم العلم والفهم الفهم لما يأتيك فإنه (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، فالذي لا يتفقه في دينه لم يرد الله به خيراً، وأرفع الناس وأفضلهم وأشرفهم على الإطلاق هم العلماء، وطلبة العلم، فكن عالماً أو متعلماً أو محباً للعلم ولا تكن الرابع فتهلك، لا تكن من الهمج الرعاع أتباع كل ناعق، فالشيخ محمد صالح العثيمين رحمة الله عليه من أفضل الناس فقهاً، وأشدهم فهماً للكتاب والسنة، وهو الذي كان يقول دائماً: الفهم الفهم، الفهم كل العلم، وإن لم يكن الفهم العلم فهو شطر العلم.

وفي لحظات موته دخل عليه الشيخ صالح المنجد فسأله: من تخلف من الفقهاء؟ فطأطأ رأسه وسكت، وقال: أين العالم الفقيه؟! فلعل الله أن يخلف منكم من يفقه كما فقه هو؛ فإن الله أعطاه نظراً دقيقاً في الكتاب والسنة، ولذلك قلت: إن العلم كل العلم هو فهم الكتاب والسنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرأ سمع مقالتي فحفظها فوعاها فأداها كما سمعها، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) وهذا هو الأهم، وقيل: لما جاء أحمد بن حنبل مع إسحاق بن راهويه قال له إسحاق: نجلس إلى جانب هذا الشاب -أي: الشافعي - ونترك ابن عيينة يقول حدثنا، وحدثنا فقال له الإمام أحمد: لو فاتك الحديث من ابن عيينة بعلو أخذته بنزول -يعني بزيادة رجل أو رجلين- وإن فاتك فهم هذا الرجل في الكتاب والسنة فلن تجد مثله.

لأن هذا هو المقصود الأعلى والأسمى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا جاءك الحديث فلك فيه طريقان: إثبات سنده وفهم متنه، وفهم المتن رأس الأمر؛ لأن الأحكام كلها تكمن في المتن، ولذلك لما تكلم الله جل وعلا عن الآيات الكونية المرئية والآيات المتلوة قال: ((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ)) أي: إن المطلوب دقة النظر والفهم، {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:٢٤]، {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:٨٢].

فالتدبر ودقة النظر في الأدلة وفهمها فهم عميق تصل بالمرء إلى الفقه والرفعة.

فأهل العلم وطلبة العلم إذا تعلموا العلم ولم ينظروا في الأدلة ويمحصوا فيها لن تكون لهم تلك المكانة العظيمة، ألا تريدون المعالي؟ ألا تريدون الرفعة عند الله جل وعلا؟ من منا لا يحب أن يحشر مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ فإذا أردت أن تحشر مع النبي صلى الله عليه وسلم كن وريثاً له، فإنك إذا كنت وارثاً لنبيك صلى الله عليه وسلم فستحشر معه في الفردوس الأعلى، ومع أبي بكر وعمر، فعليكم بالعلم والجهاد، تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.