للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مبايعته بالخلافة]

لما مات عمر بويع عثمان بالخلافة، واختلف كيف بويع عثمان هل بالتنصيص أم بويع له رضي الله عنه وأرضاه بالاختيار؟ والصحيح الراجح أنها كانت بالاختيار؛ لأن عمر بن الخطاب قال: لئن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر، وإن لم أستخلف فلم يستخلف من هو خير مني وهو النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم كتب الستة الذين مات عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راض عنهم وهم: سعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وعثمان وعلي، وكأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يلمح بـ سعد بن أبي وقاص فقد قال: وإن ولي هذا فهو لها.

يعني: هو الجدير بالخلافة، وقال: لم نعزله لخيانة أو عجز.

فكان يرى أن أصلح الناس للخلافة هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه؛ لأنه كان يرى في عثمان اللين، وكان يقول في علي: إن تولاها علي ففيه دعابة، ولكنه سيحملهم على الحق.

وكان يرى في عبد الرحمن بن عوف أنه أمين وإيمانه يعدل نصف إيمان الأمة، لكنه لين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي ذر: (إنك رجل ضعيف وإنها أمانة ويوم القيامة تكون حسرة وندامة).

فأشار إلى ذلك وألمح، وقال لهؤلاء الستة النفر: عبد الله بن عمر رضي الله عنه وأرضاه شاهد لكم ويحكم بينكم، يعني يفصل بين الأقوال، ثم أعطى الزبير وطلحة صوتهما لـ علي بن أبي طالب وعثمان، وبقي عبد الرحمن بن عوف فقال: أيكم ينخلع عنها؟ فسكت علي وسكت عثمان، حتى أنهما تقدما ليصليا على عمر فقال عبد الرحمن: ارجعا كلاكما يريد الخلافة، يصلي عليه صهيب حتى يفصل في النزاع، فسكت، فقال عبد الرحمن: أتولاها أنا، فمر على الصحابة فوجد أن الصحابة لا يفضلون على علي وعثمان أحداً، فانفرد بـ علي فقال: أخذت عليك ميثاق الله إن لم تأتِ إليك الخلافة من تولي؟ قال: عثمان.

ثم ذهب إلى عثمان وقال: إن لم تكن الخلافة لك من تراه يكون؟ قال: علي.

فذهب عبد الرحمن بن عوف فدار على بيوت الأنصار وذهب على أصحاب رسول الله، حتى ذهب إلى النساء في خدورهن فما عدلوا بـ عثمان أحداً.

وهذا يعتبر إجماعاً من صحابة رسول الله على أن أفضل الأمة بعد أبي بكر وبعد عمر هو عثمان، وهذا هو الراجح الصحيح، وإن خالف بعض أهل السنة والجماعة ففضل علياً على عثمان، لكن الراجح الصحيح أن عثمان بن عفان هو أفضل هذه الأمة بعد العمرين رضي الله عنهم أجمعين.

وعبد الرحمن بن عوف ذهب إلى منبر رسول الله ونادى علياً، فجاءه علي فقال: ابسط يدك فبسط يده.

قال: تبايعني على أن تحكم كتاب الله وتتبع العمرين يعني أبا بكر وعمر؟ قال: لا آلو إلا أن أكون تبعهم على قدر استطاعتي، لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:١٦] فسحب يده ثم قال لـ عثمان: قم.

فقام عثمان فبايعه على نفس ما بايع علياً فقال: اللهم نعم.

فبايعه، ثم كان أول من بايع عثمان علي بن أبي طالب، واستتم الأمر بفضل الله تعالى على عثمان، وأصبح أميراً للمؤمنين بعد الأيام الثلاثة التي جعلها عمر بن الخطاب ليختاروا لهم فيها أميراً عليهم.

ولما تأمر عثمان في الست السنين الأولى اغتبط به الناس، وقدموه على عمر وفرحوا به أيما فرح، وكان لين الجانب رضي الله عنه وأرضاه، وكان عمر قد حبس الصحابة في المدينة وقال: لا يخرج منكم أحد، حتى في الفتوحات الكثيرة التي فتحت للمسلمين، فقد خشي عمر على أصحاب رسول الله أن تأخذهم الدنيا عملاً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تفتح عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم).

رضي الله عنه وأرضاه، لكن عثمان فتح لهم الأبواب وخرجوا في الأمصار، فبعد السنوات الست أشعلت الفتن، وهذا الذي سنختم به الكلام على عثمان.