الشبهة الثالثة: استشهادهم بهذه الآية: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}[النحل:١٠٦]، على أن الإيمان محله القلب، والكفر محله القلب أيضاً من أفسد ما يكون؛ لأن هذا دليل عليهم، ولازم هذا القول أن من سجد للصنم لا يكفر إلا باستحلال القلب، ويلزم أن من سب الله وسب الرسول لا يكفر إلا باستحلال القلب، وقد خرج علينا من صرح بهذا، فنحن نقول: هذا كلام باطل جداً؛ لأن من الأعمال ما هو كفر، ومن الأقوال ما هو كفر، فسب الدين كفر وهو قول، وسب الله كفر وهو قول، والاستهزاء بالدين كفر قال تعالى:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}[التوبة:٦٥ - ٦٦]، فإن كان هذا الاستهزاء كفراً فمن باب أولى سب الله أو سب الدين أو الرسول فهو كفر باتفاق أهل السنة والجماعة، وأيضاً الأعمال منها ما هو كفر مثل السجود لصنم، والطواف للقبر، وهذا باتفاق أهل السنة والجماعة، فما دام أن من الأعمال ما هو كفر ومن الأقوال ما هو كفر، فإذاً: محل الإيمان ليس القلب فقط، بل محل الإيمان القلب واللسان والجوارح.
ومما يستدل به عليهم في ذلك قول الله تعالى:((إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ))، فالله جل وعلا نفى عنه الكفر بعد أن نطق بالكفر؛ لأنه كان مكرهاً، فمفهوم المخالفة في هذه الآية أنه إذا لم يكن مكرهاً وقد نطق بكلمة الكفر فحكمه أنه كافر بدليل الخطاب من الآية.
ومثل هذا ما قاله عمار بن ياسر من كلمة الكفر فاشتكى للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له:(كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالإيمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإن عادوا فعد)، مفهوم المخالفة: إن لم تكن مكرهاً ونطقت بهذه الكلمة التي هي كلمة الكفر فحكمك أن تكون كافراً أصلاً.
فالمرجئة يلزمون بهذه الآية؛ لأنهم يقولون: محل الكفر القلب، والآية تدل على أن هناك كفراً بالقول، ومع أن الآية نزلت في شأن عمار بن ياسر رضي الله عنه وأرضاه، إلا أن السبب لا يخصص، لكن هو مؤثر في هذه الأحكام.
إذاً: فالآية دليل عليهم، وتدل على أن الإيمان محله القلب والجوارح واللسان.