معناه: النداء يا رب يسر ولا تعسر، فهو يدعو الله جل وعلا، وعلم هذا من السياق، وحين قال: يا رب علم أنه يدعو الرب الجليل، وهذا من فطنة الرجل وفقهه، وفيه دلالة قوية على أن الرجل فذ في العقيدة؛ لأني حين أقول: يا رب فأنا أتوسل إلى الله، والتوسل إلى الله يكون بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، أو بالعمل الصالح، أو بدعاء الأخ الحي الصالح، وأفضل وأولى وأحسن ما يتوسل به هو أسماء الله أو صفاته، وهذا الفقيه السلفي الذي أعطانا هذا الكتاب الذي فيه الجم الغفير من ألفاظ السلف في العقيدة توسل باسم من أسماء الله جل وعلا في هذا المقام وهو اسم الرب، وهذه من فطنته لأنه أتى بالاسم الذي يحقق له ما يصبو إليه؛ فإن من آداب الدعاء والتوسل: أن تأتي باسم من أسماء الله جل وعلا يتناسب مع المرغوب والمطلوب، فإذا أردت الرحمة فلا تقل: يا منتقم ارحمني، فإن هذا من سوء الأدب في الدعاء، ومن سوء الأدب مع الله، وعدم الفطنة، وإذا أردت أن يرحمك الله فقل: يا رحمن ارحمني أو يا رحيم ارحمني، وإذا أردت الرزق فلا تقل: يا جبار ارزقني، ولكن قل: يا رزاق ارزقني.
والرجل من فطنته أراد الاستعانة بالله في الفهم والرزق والتصنيف، والاستعانة من لوازم ربوبية الله جل وعلا؛ فإن الإعطاء والمنع من صفات الربوبية، والتيسير والتعسير من صفات الربوبية؛ والقدرة والقوة من صفات الربوبية؛ فلذلك قال: يا رب يسر ولا تعسر.
وهي الاستعانة بالله في مقام العبودية، وطلب الاستعانة من الله من أفضل العبادات التي يمكن أن يقدمها المرء بين يدي طاعة من الطاعات؛ لأن الاستعانة بالله جل وعلا تظهر عز الرب وذل العبد، وقوة الرب وضعف العبد، وغنى الرب وحاجة العبد، وهذا هو المطلوب أصالة من العبد تجاه الرب.
فمقام الاستعانة مقام عظيم جليل بين النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من أفضل العبادات كما نصح معاذاً كما في السنن فقال:(يا معاذ! إني أحبك فلا تدع دبر كل صلاة أن تدعو بهذا الدعاء: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).
وفي الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه:(أنفع الدعاء: اللهم أعني على شكرك وذكرك وحسن عبادتك).