للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على الدليل الرابع للخوارج]

النوع الرابع من أدلتهم: هو أن المعصية سماها النبي صلى الله عليه وسلم كفراً، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، وقال: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر).

فعلى قولهم هذا: فحرب الخليج بين الكويت والعراق كان العراقيون والكويتيون فيها كلهم كفرة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)! واستدلوا كذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثنتان في أمتي هما بهم كفر -أي: فعلهما كفر- الطعن في الأنساب، والنياحة على الميت).

ويجاب على هذه الأدلة بأن الكفر نوعان: كفر أكبر، وكفر أصغر.

والذي يفرق بين الكفر الأكبر والكفر الأصغر هي القرائن المحتفة بالأدلة، فقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، أي: يقاتل بعضكم بعضاً، فظاهر الحديث أن الذين يفعلون ذلك كفرة، ولكن قد جاءت القرائن وأثبتت لنا أنهم ليسوا بكفرة، وأن فعلهم كفر أصغر، وكبيرة من الكبائر، لكنها ليست بكفر أكبر.

فمن هذه القرائن: قول الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:٩].

ولما كان يخطب النبي صلى الله عليه وسلم بالناس دخل الحسن فافتن به النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم، فنزل من على المنبر، وأخذه وضمه، وقال: (صدق الله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:١٥]، فأخذه وضمه صلى الله عليه وسلم وقال: إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)، وهما معاوية ومن معه، وطائفة علي رضي الله عنه وأرضاه، فسماهم النبي صلى الله عليه وسلم مسلمين.

إذاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، المقصود به: الكفر الأصغر لا الأكبر، فالذي حدث بين الكويت والعراق كان معصية، والمتقاتلون عصاة، ومن وافق على ذلك عاص، فالعراق باغية، والكويت لا بد أن تدفع الثأر عنه، فيدخلون تحت الآية: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:٩].

وأما النائحة، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم: (أنها تأتي يوم القيامة تطربل بطربال من زفت أو قار)، أي: أنها تعذب بمعصيتها حتى تزيد حسناتها على سيئاتها ثم تدخل الجنة، إذاً: ليست بكافرة؛ لأن الكافر يخلد في النار.

لكن شيخ الإسلام ابن تيمية أتى بأمر يذهب العقول، ويجعل الإنسان يخشى على نفسه أن يقع في شرك، قال: قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨]، قال: الشرك هنا عام، سواء كان أكبر أم أصغر، أي: أن الشرك الأكبر والأصغر لا يغفره الله جل وعلا.

وإن كان في هذا الكلام بعض النظر، لكن ينبغي على المرء أن يخشى على نفسه أن يقع في الشرك الأصغر، فيحلف بغير الله ولو ناسياً، فإن فعل ذلك فلا بد أن يُكَفِّر، ويقول: لا إله إلا الله، حتى لا تكتب في صفحاته، فلا يغفر له على قول شيخ الإسلام ابن تيمية.

سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، وأشهد ألا إله إلا أنت، وأستغفرك وأتوب إليك.