للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فتنة الخوارج]

وبعد حدوث المقتلة في صفين رجع كل صف إلى مكانه علي إلى الكوفة ومعاوية إلى الشام، واستتب الأمر بعد ذلك لـ معاوية قبل أن تظهر فتنة الخوارج الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (تخرج خارجة يمرقون من الدين، يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان)، وقال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أدركتهم لقتلتهم قتل عاد وإرم)، فخرج أهل الكوفة وانقسموا على علي، فخرجوا بتنطع بارداً وهم يقولون: حكّم الرجال، والله جل وعلا يقول: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام:٥٧]، فكفروا علياً وكفروا من معه وكفروا الصحابة، ثم ذهبوا إلى النهروان ومر عليهم عبد الله بن خباب بن الأرت رضي الله عنهم وأرضاه، فقالوا له: حدثنا بحديث سمعته من أبيك سمعه من رسول الله، فقال: سمعت أبي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي)، ثم سألوه عن علي بن أبي طالب فقال فيه قولاً حسناً، فقتلوه وقتلوا امرأته، وبقروا بطنها وكانت حبلى، وقد قالت لهم: اتقوا الله فيّ إني امرأة حبلى، فلم يبالوا فقتلوها وبقروا بطنها، حتى إن واحداً منهم بتنطع بارد سقطت ثمرة فأكلها ومضغها، فقال الآخر: اتق الله إنها ليست ملكاً لك، فلا بد أن تشتري هذه الثمرة أو تستأذن صاحبها! فبعدما قتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت، وبقروا بطن امرأته صاروا يتنطعون بهذا الورع الكاذب! ومن حكمة الله جل وعلا أننا علمنا فقه قتال الطائفة الباغية مما حدث مع علي، ولولا ما حدث مع علي ما عرفنا كيف يقاتل المؤمن الطائفة الباغية، وما هو فقه التعامل مع الطائفة الباغية.

ولما قالوا لـ علي: هل كفروا؟ قال: لا، من الكفر فروا، وقال: هم إخواننا، لهم ما لنا وعليهم ما علينا إلا أن يبارزونا -يعني: أن يبتدءوا القتال معنا-، فإن قاتلونا قاتلناهم، ولا نسبي نساءهم، ولا يذفف على جريح، وهذه ضوابط قتال الطائفة الباغية، وهذا الكلام مشتق من قول الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:٩].

ومن هذا الفقه: ألا يذفف على جريح، يعني: لو جرح رجل منهم فلا يقتل، بل يؤخذ ويداوى، وأيضاً إذا ألقى أحد سلاحه فلا يقتل.

فمن فقه قتال الطائفة الباغية ألا يذفف على جريح، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن دخل بيته فهو آمن، ومن استسلم فهو آمن؛ لأنه مسلم كالمسلمين.

فقاتلهم علي رضي الله عنه وأرضاه وقتلهم، وكانت هذه علامة من علامات أن الحق مع علي كما سنبين، وهذه الفتنة هي الأخيرة.