يختم باب الرؤيا بأن أول من ينظر إلى الله جل وعلا يوم القيامة هم العميان {جَزَاءً وِفَاقًا}[النبأ:٢٦]، وهذه وردت بأسانيد ضعيفة في أن الله جل وعلا قال لجبريل:(سلبت حبيبتيه؟ قال: نعم، قال: جزاؤه الدوام أو الخلود في جنتي، ودوام النظر إلى وجهي)، وهذه ليس فيها إشارة على أنه أول من ينظر إلى الله جل وعلا في الجنة، لكن فيها إشارة على دوام نظره لله عز وجل.
وتنقسم رؤية الله جل وعلا إلى ثلاثة أقسام: الرؤية الأولى: في عرصات القيامة.
والثانية: يوم الجمعة.
والتفاوت في هذه الرؤيا هو من حيث القرب والبعد، فالأقرب يوم الجمعة في الدنيا هو الأقرب عند الله، وهذا يفتح باب التسابق والتنافس في المسارعة إلى الجمعة؛ ولذلك كان ابن مسعود يحرص حرصاً شديداً على أن يكون أول من في المسجد يوم الجمعة، فإذا دخل فوجد ثلاثة أو اثنين قال: ثالث ثلاثة، أو رابع أربعة لا يبعد هذا، لكن لا يكون خامسهم ولا سادسهم-عافنا الله من الكسل ومما نحن فيه- قال الله تعالى:{وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[المطففين:٢٦]، فالذين يبكرون يوم الجمعة هم الذين يقتربون من رؤية الله يوم الجمعة، وهم أكثر نعيماً من غيرهم.
وفضل آخر في التبكير ليوم الجمعة وهو حديث النبي صلى الله عليه وسلم في السنن حيث قال:(من بكر وابتكر، وغسل واغتسل، وذهب إلى الجمعة ماشياً - هذا تقييد مهم جداً يعني: ليس بالسيارة- ثم دنا من الإمام فأنصت ولم يلغ، كتبت له كل خطوة بأجر سنة قيام وصيام)، يعني: لو مشى ربع ساعة فإن كل خطوة بأجر سنة قيام وصيام، فكم من الأجر العميم في هذا، وكم ضيعنا من هذا الخير.
ومن فضل التكبير يوم الجمعة أنك ترى الله جل وعلا على قرب منه، فتكون أقرب إلى الله، وتتمتع أكثر بالنظر إليه.
الرؤية الثالثة: في العيدين، وهذه للنساء، فهن لا يرينه يوم الجمعة على الراجح من الأقوال، ويرونه غدواً وعشياً.
وهنا قال الحسن: يرى الله جل وعلا في الآخرة، وأول من يراه هو الأعمى، وهذا لا يبعد؛ لأن الله جل وعلا كريم حليم إذا أخذ من عبده شيئاً فصبر ورضى بقضاء الله عوضه الله خيراً مما أخذ منه، والقياس في ذلك كثير ففقراء المهاجرين عانوا في الدنيا كثيراً من الفقر، وهاجروا من مكة إلى المدينة، فالله جل وعلا كافأهم وعوضهم أفضل مما أخذ منهم فأدخلهم الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم) ونصف اليوم: خمسمائة عام، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ما في أهل الصفة من بأس فقال لهم:(لو علمتم ما لكم عند الله جل وعلا لدعوتم الله أن يشد عليكم أكثر مما أنتم فيه) أو كمال قال صلى الله عليه وسلم، وهذه علامة الإخلاص، وعلامة محبة لله جل وعلا.
والمقصود أن القياس البديع في الشريعة يثبت أن الله جل وعلا إذا أخذ من عبده شيئاً فصبر عوضه خيراً منه، وكما في الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط).