للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المرتبة الأولى: العلم]

المرتبة الأولى من مراتب الإيمان بالقدر: العلم، وهو أن تؤمن بعلم الله جل وعلا السابق لِكل شيء: ومما يدل على ثبوت علم الله السابق، أو علم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف سيكون: قوله تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤] فالله سبحانه وتعالى يعلم كل شيء.

وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:٢٣] قال المفسرون: أي: هذا الضال يعلم الله أنه ضال وراض بالضلال، تصديقاً لقول الله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت:١٧].

أما ابن عباس فقد قال في تفسير قوله تعالى: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:٢٣] أضله الله لعلمه السابق فيه أنه محل للضلال، فلا يصح أن يكون مسلماً، قال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [القلم:٣٥]، وقال جل وعلا: {أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:٢٨].

كما أن الله جل وعلا لما اختار أنبياءه كان بعلمه السابق يعلم أن هذه القلوب طاهرة نقية، ولذلك قال الله تعالى عن إبراهيم: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} [الأنبياء:٥١] والمعنى: نحن نعلم أن إبراهيم عليه السلام محل للهداية، ومحل للنبوة، ومحل لأن يكون خليلاً لله جل وعلا؛ لأنه شاكر لأنعم الله جل وعلا.

ومما يدل على علم الله السابق أن الله لما فتن الكبراء بالعبيد وفضل العبيد عليهم؛ لعلمه السابق بما سيكون منهم قال: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ} [الأنعام:٥٣]، أي: الفقراء {مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} [الأنعام:٥٣] فأجابهم الله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام:٥٣] فكان الله جل وعلا على علم سابق بهؤلاء أنهم سيشكرون نعمته جل وعلا، فأوضع فيهم هذه النعمة وهي نعمة الإسلام.

كما أن اختيار النبي صلى الله عليه وسلم واختيار صحابة رسول الله كان بعلم الله السابق، فمن وجد نفسه في خير وعلى خير فليستبشر؛ لأنه في علم الله السابق من أهل الخير، وليزدد من الخير الذي هو فيه، قال الله تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا} [الفتح:٢٦] أي: أنهم كانوا {أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} [الفتح:٢٦] في علم الله السابق، فإن الله علم أن أبا بكر أفضل الخلق بعد الأنبياء والمرسلين، وعلم أن عمر هو الفاروق فأودع في قلوبهم هذا الخير وجعلهم صحبة لنبيه صلى الله عليه وسلم.