وقد يرد إشكال في قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم:(إن أبي وأباك في النار)، وقوله:(واستأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي) وهو أن عبد الله أبا النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الفترة -لم يأته نبي- وكذلك أمه صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنهما في النار.
الجواب
أن الضابط في معرفة أهل الفترة أنهم من لم يأتهم رسول، وكذلك: من لم تبلغهم الدعوة، فلو أن رجلاً قال: لن أفعل شيئاً، لأنه لم يأتني رسول، والله يقول:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}[الإسراء:١٥]، ويقول:{وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}[النور:٥٤]، فيقال له: سنقيم عليك الحجة بأنه قد جاءك رسول، فالله جل وعلا يقول:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء:١٦٥] والحجة التي تقام عليك هي رسالات الله جل وعلا, والتي بلغها لك الرسل أو ورثتهم، وهم العلماء، ففي الحديث:(العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا العلم).
فأبوا النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغتهما دعوة إبراهيم، وإن لم نقل بأن دعوة إبراهيم قد بلغتهما، فدعوة عيسى عليه السلام، بدلالة أن في ذلك الزمان من تنصر، وهو ورقة بن نوفل، وأيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم سألته عائشة كما في الصحيح قالت:(يا رسول الله! علي بن زيد بن جدعان كان يصل الرحم، ويكرم الضيف أله في هذا الفعل من أجر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، إنه ما قال يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين) وقد عرف رسول الله أن ابن جدعان سيعذب؛ لأنه قد بلغته دعوة موسى أو عيسى أو إبراهيم عليهم السلام.
إذاً: فهؤلاء ليسوا بأهل فترة، وإن تخلف عنهم الرسل فقد وصلتهم دعوة الرسل، فهذا رد على استدلال النووي بحديث النبي صلى الله عليه وسلم:(إن أبي وأباك في النار)، وحديث:(إن النبي صلى الله عليه وسلم استأذن ربه أن يستغفر لأمه فأبى عليه) على أن أهل الفترة في النار.