إذا علم المسلم فتنته وعلم المدة التي سيمكث فيها فكيف ينجو منه ومن فتنته العظيمة؟ بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أيما بيان.
فأول طريق من طرق النجاة من فتنة الدجال: الهروب منه، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(من سمع به فلينأ عنه) فإذا سمعت به في مكان فاذهب في المكان المخالف؛ فإن كان في المشرق فكن في المغرب، وإن كان في المغرب فكن في المشرق، ولا تجتمع معه في مكان بحال من الأحوال، فهذه أول طرق النجاة.
واستنبط العلماء من ذلك: أن كل امرئ لا بد عليه إذا وردت فتنة أن لا يستشرفها، ويظهر لها؛ إذ أنه لو استشرف هذه الفتنة استشرفته وأخذته وقبضته، وقلبته، وقد يظن بنفسه أنه مؤمن فيقع، فالنبي صلى الله عليه وسلم بين لنا رجلاً ظن بنفسه الخير، وظن بنفسه أنه على أتم ما يكون من الإيمان، فيسمع بـ الدجال فيقول: أنظر إلى هذا الدجال، وأذهب إليه، فيذهب إليه فيفتتن فيؤمن به! فالمرء عليه أن يبعد عن مكان الفتن، وإذا أتت من مكان يذهب إلى مكان آخر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(من سمع به فلينأ عنه).
الطريق الثاني من طرق النجاة: أن يقرأ في وجهه فواتح سورة الكهف، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(فليستغث بالله، وليقرأ فواتح سورة الكهف).
هذا حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففواتح سورة الكهف تنجي الإنسان من فتنة الدجال وتعصمه، وتكون حاجزاً بينه وبين فتنته.
الطريق الثالث من الطرق التي تكون فيها النجاة عن هذا الدجال الأعور: أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لنا بياناً شافياً فدلنا على علامة يراها كل قارئ وغير قارئ، فبين أن الدجال مكتوب بين عينيه: كافر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(يا عباد الله! إنه بين عينيه مكتوب: ك ف ر، أو قال: كافر، يقرؤها كل قارئ وغير قارئ) حتى الأمي يقرؤها، فعلى المؤمن أن ينظر في هذه العلامة التي بين عينيه؛ فإنه مكتوب بين عينيه: ك ف ر، وهذه على الحقيقة وليست على المجاز، فإذا قرأها يعلم أنه الدجال فينأى عنه.
الطريق الرابع من طرق النجاة من هذا الدجال الكذاب: سكن مكة والمدينة؛ فإن الدجال قبل ما يمكث في الأرض تستدبره الريح، فيسير في كل أنحاء العالم في ساعات قليلة، أو في دقائق معدودة، أو ثوانٍ معدودة، لكنه لا يستطيع الدخول إلى مكة والمدينة، فيعصم المرء بمكثه في مكة أو المدينة؛ إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(على كل نقب من نقاب المدينة ملك معه سيف مصلت) فإذا جاء ليدخل مكة والمدينة رأى الملائكة فرجع الخبيث عدو الله، ونكص على عقبيه فلا يدخل المدينة، لكن المدينة ترتجف وتتزلزل تحت أقدام المنافقين فتخرج كل منافق، فيؤمن به، لكن المؤمن حقاً هو الذي يبقى في المدينة، والله جل وعلا سيعصمه من فتنة الدجال.
الطريق الخامس من الطرق التي ينجو بها المرء من فتنة الدجال: كثرة الدعاء بالعصمة من هذه الفتنة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله كثيراً أن يعصمه من فتنة الدجال، كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت:(كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من أربع) يعني: بعد كل صلاة بعدما يقرأ التشهد يستعيذ من أربع: (اللهم إني أستعيذ بك من فتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال، ومن عذاب القبر ومن عذاب النار)، فكان يستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم كل يوم خمس مرات من فتنة المسيح الدجال.
فهذه الطرق التي ينجو بها المرء من هذا الدجال الكذاب.