كان دأب عمر في رعيته حفظ دينهم أولاً بالتوحيد، ثم بالعبادات، ثم بالمعاملات، ثم حفظ أعراضهم، وحفظ أموالهم.
وارتقى حفظ عمر وانشغاله بالرعية من بني آدم إلى الحمير والغنم والإبل، فبعدما حفظ رعيته من بني آدم قال: الإبل والبهائم لها علينا حق، فما ترك حق البهائم، وهو الذي قال الكلمة المشهورة التي كل مسلم دائماً يلوكها في فمه، وهي: لو عثرت دابة في العراق لسئل عنها عمر.
ويقال: إن عمر نظر إلى جمل فوجد عليه إعياءً وعرقاً شديداً، فأخذ يده على ذفره وقال: اسكن اسكن، أخشى والله! أن يسأل عمر عنك! واشتهى عمر مرة سمكاً طرياً، فقال لعامله: اشتهيت السمك، فذهب يبحث له عن السمك وبقي ليلتين ذهاباً وإياباً حتى أتاه بالسمك، فشق على الجمل، فقال: ذهبت تأتي بهذا السمك ليلتين على هذا البعير؟ قال: نعم، قال: عذبت بعيراً من أجل شهوة بطني، والله! لا آكله أبداً، وحرمه على نفسه طاعة لله جل وعلا.
وكان يرفق كثيراً بإبل الصدقة، وكان هو الذي يعاملها، فقد دخل عليه رجل فوجده يسم إبل الصدقة -أي: يميزها عن غيرها من الإبل بعلامة- فقال: يغفر الله لك يا أمير المؤمنين! أما كان عبد من عبيد الصدقة يقوم بذلك عنك؟ فقال له عمر بن الخطاب: أو عبد غيري؟ يعني: أن حق الأمير على الناس أن يكون لهم خادماً.
فرضي الله عن عمر ورضي الله عن الصحابة أجمعين، وهذه جوانب من باب جوانب العظمة في شخصية هذا الرجل الفذ الذي يعد أمة وحده.