[أدلة الخوارج والمعتزلة على أن مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن]
استدل الخوارج والمعتزلة على قولهم بأدلة أولها: أن الشارع -وهو الله عز وجل أما الرسول فإنه ناقل للشرع- ترع من مرتكب الكبيرة اسم الإيمان، وإذا نزع منه اسم الإيمان فقد وضعه في دائرة الكفر، وذلك كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، إذاً: فالزاني عند الخوارج والمعتزلة في الظاهر أنه كافر وليس بمؤمن بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب النهبة يرفع الناس إليه أبصارهم وهو مؤمن)، ففاعل الكبيرة ينزع منه اسم الإيمان، وهذا أول صنف من أصناف الأدلة.
ثانيها: قالوا: إن الله جل وعلا جعل مآل الذي يرتكب الكبيرة إلى النار، لا إلى الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة ديوث)، وقال: (لا يدخل الجنة نمام)، والديوث: هو الذي يرضى الخبث في أهل بيته، كأن يجعل امرأته تمشي في الشارع متبرجة مثلاً، فهذا من الدياثة.
والنمام: هو الذي ينقل الكلام ليفسد بين الآخرين.
أيضاً: يستدلون بحديث: (لا يدخل الجنة منان) وهو الذي يمن بالخير الذي يفعله، فالنبي صلى الله عليه وسلم بين أن هؤلاء لا يدخلون الجنة لكفرهم.
ثالثها: البراءة من الذين يفعلون الكبيرة، كقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا)، كالذي يغش في الامتحانات مثلاً، وقد رأينا أناس يغشون في امتحان الشريعة، فإن قيل له: (من غشنا فليس منا) قال: هذا تعاون على البر والتقوى، وليس بغش! والذي أتذاكر معه في الامتحان إنما يذكرني وأذكره!! وقد يقول: إن الغش شيء لا أعرفه، ولكن هذا يذكرني بما نسيت فقط فليس بغش.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فقد قال بعض أهل العلم: من غش في امتحانات البكالوريوس أو النظام فلا يجوز له أن يعمل بهذا البكالوريوس، والمال الذي يأخذه يمكن أن يكون مشبوهاً أي: فيه شبه.
فكل منا يفتش في نفسه، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من غشنا فليس منا).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء ممن جلس أو مكث بين أظهر المشركين)، فقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم منه، ولا يتبرأ إلا من الكافر.
إذاً: من غش أو جلس بين أظهر المشركين، أو طلب الذمة ممن جلس بين أظهر المشركين فهو من هذا الصنف.
رابعها: أن النبي صلى الله عليه وسلم الذي نقل الشرع عن الله جل وعلا سمى الكبيرة والمعصية كفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ترجعوا بعدي كفاراً -بالتصريح- يضرب بعضكم رقاب بعض)، وقال صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد أشرك أو كفر)، أي: الذي يحلف بالنبي، وحياة أمه، ورحمة أبيه، كل هذا كفر.
فهذه أدلة جيشوها وأثبتوا فيها أن كل مرتكب كبيرة كافر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى هذا الفعل كفراً، وتبرأ ممن فعل ذلك، وجزم بأنه: (لا يدخل الجنة نمام ولا قتات).
وهؤلاء هم أهل الغلو والإفراط.