للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على هذه الاعتراضات]

والرد على هذه الاعتراضات أن يقال: أولاً: قولهم: إن هذه أحاديث ضعيفة، قول ضعيف؛ لأن هذه الأحاديث جاءت من طرق صحيحة لذاتها، وطرق حسنة، وجاءت أيضاً من طرق أخرى تقويها حتى ترتقي إلى الصحيح لغيره، كما جاءت من طرق ضعيفة تتقوى بطرق أخرى، فالقول بأن هذه الأحاديث ضعيفة قول مطروح.

ثانياً: وأما الاعتراض الثاني وهو كيف يكلفون في الآخرة، والآخرة دار جزاء لا دار تكليف؟ فيرد عليه بأننا معكم، فالآخرة دار الجزاء، وهي دار الاستقرار إما في الجنة وإما في النار، ولكن لا يمنع ذلك أن يكون على العرصات تكليف، فقد ورد الشرع بذلك، قال الله تعالى: {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم:٤٢]، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن المؤمنين والمنافقين معاً يقفون ينتظرون الله، فيأتي الله جل وعلا ويقول: أنا ربكم، بعد أن يأمر الله جل وعلا كل من عبد شيئاً أن يذهب خلفه، فيكورون كلهم في النار، ثم قال -وهذا والشاهد من الحديث-: ويأتيهم الله جل وعلا بالعلامة التي يعرفونها، فيكشف عن ساقه، فينزل كل مؤمن كان يسجد سجوداً مخلصاً فيه لله جل وعلا فيسجد لله, والمنافق يرجع ظهره طبقة ولا يستطيع السجود) فهذا يكون في عرصات القيامة، وهو تكليف.

ثالثاً: وأما الاعتراض الثالث وهو: أنهم كلفوا ما لا يطيقون، فالجواب عليه أن تكليف الله لهم بالنزول إلى النار تكليف من حكيم عليم، وقد قال سبحانه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:٧] فهذا دليل على أن ما في الحديث ليس تكليفاً بما لا يطاق، ولذلك نظائر في الشرع، منها: فتنة الدجال , فالنبي صلى الله عليه وسلم لما وصفه قال: (معه نار وجنة) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (على المؤمن أن يدخل النار)، فهو هنا يأمره بدخول النار التي مع الدجال، وهذا الأمر والإنسان في الدنيا، فلو قلنا بقولكم لكان هذا أيضاً تكليف بما لا يطاق, إذ قال عليه الصلاة والسلام: (لا تدخلوا جنته، فإن جنته نار)، فيغمض المؤمن عينه ويدخل ناره، فيجدها برداً وسلاماً.

وكذلك: فإن الله جل وعلا يأمر الناس يوم القيامة في العرصات أن يمروا على متن الصراط، والصراط قد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (أحد من السيف، وأدق من الشعرة)، والمرور عليه مما لا يطاق، وهم يمرون عليه كالبرق وهو على متن جهنم.

إذاً: فلا حجة للقول بأن امتحان أهل الفترة تكليف بما لا يطاق المرء، فإن له نظائر من الشرع في الدنيا، كأمر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن أن يدخل نار الدجال؛ لأنها ستكون عليه برداً وسلاماً, وفي الآخرة كأمر الله العباد أن يمروا على الصراط، وهو أحد من السيف وأدق من الشعرة، وهو أيضاً على متن جهنم.

ولهذا فإن الصحيح الراجح أن أهل الفترة غير معذبين في الآخرة، بل هم ممتحنون فيها، معذورون في الدنيا.