مظاهر رحمة الله جل وعلا عظيمة جسيمة كثيرة، فمن مظاهر رحمة الله جل وعلا بديع وحسن تنسيق الكون، فهذه النجوم المتلألئة في السماء الصافية، وهذه الشمس المشرقة الدافئة تدل على رحمة الله لخلقه، فهذه من مظاهر رحمة الله جل وعلا، وهي تدل على ربوبية الله تعالى وعظمته، وتدل على أنه الخالق المبدع المكون سبحانه وتعالى لهذا الكون رحمة للعباد؛ حتى يصلوا سريعاً إلى ربهم فلا يعبدوا غيره، فهذه من مظاهر رحمة الله جل وعلا.
وأيضاً من مظاهر رحمة الله جل وعلا بعباده أنه أرسل الرسل، فالله رحيم لا يعذب أحداً بجهل، ولا يعذب أحداً حتى يقيم عليه الحجة، والله جل وعلا لم يكن ليضل قوماً حتى يبين لهم ما يتقون، ولم يكن ليعذب قوماً حتى يرسل إليهم رسولاً يبين لهم طريق الهدى، كما قال الله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:١٠٧]، فهذه من آثار رحمة الله جل وعلا.
وأيضاً من آثار رحمة الله جل وعلا: الغيث الذي ينزل من السماء رحمة من الله جل وعلا، فإذا قنط العباد فإن الله الرب الكريم الرحيم يضحك من عباده حين يقنطون والفرج قريب كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}[الأعراف:٥٧]، فهذه من آثار رحمة الله جل وعلا، ولا يقنط من رحمة الله إلا الكافر، ولا ييئس من روح الله -أي من رحمة الله جل وعلا- إلا الضال المبتدع، قال الله تعالى:{قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}[الحجر:٥٦] يعني: الكافرين، وقد قال الله تعالى على لسان يعقوب:{يَا بَنِيَ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ}[يوسف:٨٧]، فروح الله هنا معناها الرحمة، فمن مظاهر رحمة الله أنه يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته.
وأيضاً من رحمة الله أنه خلق مائة رحمة، فاحتجز عنده تسعة وتسعين جزءاً وأنزل جزءاً من هذه الرحمات في الدنيا، فبها يرحم الخلق بعضهم بعضاً، فيتراحم بها الفرس مع وليده كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الرحمة في الدنيا من الجزء اليسير، واختزن الله للبشر تسعة وتسعين جزءاً في الآخرة يرحمهم بها ويدخلهم الجنات جل وعلا.