للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قاعدة في التكفير]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [جماع ما روي بكفر من قال: إن القرآن مخلوق] قبل أن أبدأ في شرح أي مسألة يتكلم فيها المصنف، لا بد أن أقعد قاعدة مهمة جداً، حتى نضبط الفروع بإرجاعها إلى الأصل، وهذه القاعدة هي: أن الكفر حق من حقوق الله جل وعلا، فلا أحد يقوى عليه إلا بدليل ناصع، أسطع وأوضح من شمس النهار، فلا أحد يلقي بالكفر على أحد إلا بدليل قاطع، أيضاً: لا بد أن نثبت أن هذا الفعل أو القول كفر، سواء من الكتاب أو من السنة، أو إجماع الصحابة أو إجماع أهل العلم، فمثلاً: لو قلنا: إن إلقاء المصحف في الزبالات كفر، أو سب الذات الإلهية كفر، فلا بد من دليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع، فإذا قال قائل: إن القرآن مخلوق، وقلت: إن هذا كفر، فلا بد عليك أن تأتي بدليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع على ذلك، حتى تبرأ ساحتك عند الله؛ لأن هذا حق لله جل وعلا.

فنقول: عندنا أدلة تثبت أن من قال: إن القرآن مخلوق، فإنه يكفر، أو أن هذه المقولة كفر، منها: أولاً: قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:١٦٤]، وقوله: {تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة:٨٠] فأثبت أن هذا الكلام كلام الله جل وعلا، فهو قد أضاف الكلام إلى الله جل وعلا، فإن قال قائل: الكلام مخلوق، فقد كذب بصريح القرآن، وإذا كذب بصريح القرآن فهذا كفر بواح؛ لأن الله جل وعلا يقول: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء:١٢٢] فإن قال: لا أصدق هذا؛ فقد كذب الله جل وعلا، ومن وقع في التكذيب فقد كفر.

ثانياً: أن الذي يعتقد هذه المقولة شبه الخالق بالمخلوق، وتشبيه الخالق بالمخلوق كفر؛ لأنه تكذيب للقرآن، وتنقيص من حق الله جل وعلا، قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١]، فالله تعالى يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١]، وهو ينزل الله من منزلته جل وعلا إلى منزلة المخلوق.

ثم إذا أثبتنا أن هذه المقولة كفر بصريح القرآن أو السنة أو الإجماع فلا بد من توافر الشروط وانتفاء الموانع؛ حتى نحكم بالكفر على فلان أو علان، وتقام عليهم الحجة، وتزال أي شبهة عنهم، فلعله يكون لهم تأويل، ويثبت لنا هذا ما نقل عن الإمام أحمد أنه قال: من قال إن القرآن مخلوق فقد كفر.

وقال الشافعي: من قال: إن القرآن مخلوق فهو زنديق.

وسئل ابن المبارك عن رجل يقول: إن القرآن مخلوق، فقال: امرأته بائنة منه، فقالوا: لم؟ قال: هي مسلمة وهو كافر، وقال ابن عيينة: من قال إن القرآن مخلوق فهو كافر ويقتل ولا يصلى عليه.

وقيل للإمام أحمد: هل نخرج بالسيف على المأمون؟ فقال: لا، هم عندي جهال، ولم يكفر المأمون مع أنه ضربه بالسياط، وامتحنه على خلق القرآن.

وناظر شيخ الإسلام ابن تيمية الجهمية الذين ينفون الاسم والصفة -ليس فقط ينفون صفة الكلام، بل حتى كل اسم لله- فقال لهم: لو قلت بقولكم كفرت، ولكنكم عندي جهلة.

فلجهلهم عذرهم الإمام ابن تيمية.