وأما بيعة علي فلما قتل عثمان باليد الأثيمة غدراً وظلماً وكان شهيداً فاضلاً محتسباً، ظلت الأمة لا أمير لها خمسة أيام، فعلم الثوار أنهم لو رجعوا إلى بلادهم ولا أمير للأمة فإن الدائرة ستدور عليهم، فذهبوا إلى علي بن أبي طالب يطلبونه للإمارة، وكان يهرب منهم إلى البساتين والحوائط، فدخلوا عليه ومعهم السيوف، واشتجروا في المدينة، فذهب بعض القوم إلى طلحة، وبعضهم إلى ابن عمر، وبعضهم إلى الزبير، وحق لنا أن نقول: ما كان حينئذ على وجه الأرض أحد أحق بالخلافة من علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، فهو أفضل الناس على الإطلاق، وهو الذي له الأهلية التامة للخلافة، فبايعوه فاستتب له الأمر، وبايعه طلحة والزبير، وأما معاوية فكان على الشام، ولم يرد أن يبايع علياً حتى يقتص من قتلة عثمان رضي الله عنه وأرضاه.
ونقل علي الخلافة إلى الكوفة، وأنا سأمر على هذه الفتن مرور الكرام؛ أدباً مع الصحابة، وحتى لا تشحن الصدور، ولا تغوص الأقلام في هذه الدماء، فهي دماء عصمنا الله من أن نشاهدها فنعصم ألسنتنا من الكلام فيها، فسنمر عليها مرور الكرام، ونبين أين الحق من الباطل.
فـ معاوية لم يبايع علياً رضي الله عنه وأرضاه، وقيل: إن سعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد وعبد الله بن عمر وأبا موسى رضي الله عنهم وغيرهم لم يبايعوا علياً، وهذا باطل، فالصحيح أن الصحابة أجمعين قد بايعوا علياً وأقروا بإمامته رضي الله عنه وأرضاه، وأما معاوية فلم يبايع حتى يشترط، وهو لم ينازعه في الخلافة، ولكن اشترط أن يقتص من قتلة عثمان رضي الله عنه وأرضاه، وسنبين أن الحق لم يكن مع معاوية، فقد اجتهد فأخطأ فله أجر رضي الله عنه وأرضاه، وعلي بن أبي طالب اجتهد فأصاب فله أجران.
فالمقصود أن البيعة تمت لـ علي، وأصبح خليفة للمسلمين باستحقاق وبجدارة كما قال الذهبي: ما كان على أرض البسيطة أحق بالخلافة من علي بن أبي طالب.
وكذلك باتفاق صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد نهج في سياسة الخلافة نهج عمر بن الخطاب، فقد حبس الصحابة في المدينة، حتى لا يغتروا بأمر الدنيا، وأخذ الاقطاعات التي كان وزعها عثمان رضي الله عنه وأرضاه وردها إلى بيت المال، وعزل كل الولاة الذين تسببوا وأثاروا الفتنة.